غالبا ما تملك الحكومات الديموقراطية حسا عاليا لحالة الرضا أو السخط الشعبي من أدائها، وتكون لديها أجهزة بالغة الدقة والموضوعية لقياس ذلك، حتى تضمن استمرار الثقة بها، وتحافظ على موقعها في إدارة شؤون البلاد، وإلا فإنها ستكون مهددة بالسقوط في أي استحقاق انتخابي.
هذا الإحساس يتشكل لدى الحكومات التي تأتي من رحم الإرادة الشعبية، وليست التي يُعين أعضاؤها وفق محاصصة قبلية وعائلية وطائفية، والتي سيكون دورها بطبيعة الحال هو ترسيخ ذلك الواقع السيئ الذي تلعب على تناقضاته، وليس بالضرورة لرعاية المصلحة العامة للبلاد.
لا أظن أحدا يتابع الشأن المحلي في الكويت ثم يخطئ في ملاحظة تزايد السخط الشعبي من أداء الحكومة والمجلس، لكن الفارق هذه المرة في نوعية السخط هو أن الفئات التي كانت تراهن على نجاح الصوت الواحد في تحقيق الاستقرار والتنمية أصبحت تتصدر لائحة الساخطين على الوضع الحالي، بعدما ثبت أن إقصاء المعارضة عن البرلمان لم يحقق الجنة الموعودة التي كان يبشر بها المروجون للصوت الواحد.
لا أدري إن كان للحكومة جهاز لقياس الرأي العام، حتى تعرف الأرضية التي تقف عليها، وتكون قادرة على التنبؤ بالمستقبل القريب والبعيد، لأن المؤشرات تعطي قراءة واضحة بأن منسوب السخط في تصاعد، وإذا استمرت الأمور كما هي فقد يصل إلى حد ربما تخرج الأمور بعده عن السيطرة، فهناك شعور بعدم الأمان المستقبلي في ظل هذه الإدارة، وما تقوم به من استنزاف حاد لموارد الدولة ولجيوب المواطنين، فانتقل هذا الشعور من الجانب السياسي الذي كان يشغل شريحة من المهتمين، إلى الجانب المعيشي الذي يمس الشريحة الأكبر من المواطنين، الذين قد لا تكون لهم اهتمامات سياسية، وبذلك دخلت فئات جديدة إلى نادى الساخطين على الوضع الحالي، والخائفين من المستقبل، مع غياب أي رؤية أو مشروع للإنقاذ، فعندما يصل الأمر بالمواطنين إلى أنهم لا يملكون سوى السخرية من تردي الأوضاع، فهذا يعني أنهم فقدوا الأمل في الإصلاح الجاد!
الشعور بانعدام الأمان المعيشي والمستقبلي يجعل ردود الأفعال بعيدة عن الاتزان، لذلك فإن المطلوب على وجه السرعة علاج الأسباب الحقيقية والعميقة لذلك الوضع، وليس محاربة مظاهره وظواهره، فالتعامل السطحي مع هذه الحالة، والاعتماد على المعالجات الأمنية، والاكتفاء بالحلول الترقيعية، كل ذلك عبارة عن مسكنات للألم مؤقتة، قد تؤخر الكارثة، لكنها لن تمنع وقوعها أبدا.. فأين من يعي ذلك؟!