حقق البطل فهيد الديحاني ميدالية ذهبية في أولمبياد ريو دي جانيرو. وتعتبر هذه الميدالية الذهبية الأولمبية الاولى له. وحقق البطل عبدالله الطرقي ميداليته البرونزية الأولمبية الاولى له. وشاءت الظروف ألا تحسب الميداليات لدولة الكويت بسبب العقوبات المفروضة عليها من اللجنة الاولمبية الدولية. وتعتبر المنافسة في الأوليمبياد طموح كل الرياضيين ومصدر فخر واعتزاز للدول الفائزة. وهناك اكثر من ٣٠ لعبة في الاولمبياد تتنافس فيها اكثر من ٢٠٠ دولة. لذلك يعتبر نجاح الديحاني مهماً جداً بسبب تنافسه مع كل الفرق العالمية في مجال الرماية والتفوق عليهم. ومن المثير للإعجاب، تحقيق الديحاني والطرقي الإنجازات بلا دعم أو اهتمام حكومي كافٍ. لذلك يكون السؤال المهم: هل تستطيع الكويت المنافسة بالنجاح اقتصادياً لتقليص الاعتماد على ايرادات الدولة النفطية؟ وهل هناك دروس يستفيد منها رجال الأعمال المحليين الكويتيين للمنافسة عالمياً في ظل ظروف مشابهة لحالتي الطرقي والديحاني؟
التخصص
في كتابه ثروة الامم Wealth of Nations، يشرح آدم سميث فكرة تقسيم العمل او التخصص. ويوضح الكاتب الفائدة من زيادة الإنتاجية عند تخصص كل شخص او دولة في انتاج او تصنيع سلع محددة. لذلك نرى أن اليابان تمتاز بصناعة السيارات. وإيطاليا تمتاز بصناعة الأسلحة. وفرنسا تتميز بتصنيع السلع الفاخرة. وهكذا نرى ان الرامي الديحاني والطرقي قد تخصصا في رياضة الرماية. واستمر الديحاني في التدريب والتمرين على مدى ٢٠ سنة ليصل الى مهارة عالية في مجاله. ونجد أيضاً ان الديحاني تخصص في لعبتي التراب ودبل التراب. بينما تخصص الطرقي في لعبة السكيت. ونجد تخصصاً عالي الدقة في ألعاب اولمبية تعتبر اصلاً نادرة. لذلك على رجال الاعمال الكويتيين اختيار تخصصات محددة والالتزام بها لفترات طويلة لصقل مواهبهم ومهاراتهم في تلك التخصصات.
المنافسة
وليس من الصدفة ان يفوز ابطال الكويت لأول مرة بميداليتين في بطولة واحدة. البطلان يتنافسان لتحقيق اعلى البطولات لوطنهما، ويعملان في الظروف نفسها وتحت القوانين نفسها. لذلك تعتبر المنافسة المحلية بينهما محفزاً أساسياً في استمرار جهودهما. وانتقلت المنافسة المحلية بينهما الى منافسة عالمية مع ابطال العالم. ومثال للمنافسة المحلية عندما استقال رودولف داسلر من شركة Adidas التي يديرها شقيقه ادولف داسلر. قرر رودولف تأسيس شركة Puma واختار موقع المصنع الجديد مقابل مصنع أخيه. واستمرت المنافسة بينهما على مدى ٦٠ سنة، وحفزتهما على مدى عقود لاختراع افضل الأدوات والاحذية الرياضية. وكانا أيضاً يتنافسان على توفير الرعاية للرياضيين. والاكيد ان العالم والرياضيين يستفيدون من منتجاتهم وإبداعاتهم في السنوات المقبلة. لذلك على رجال الاعمال تشجيع المنافسة المحلية للنهوض بالقدرات وصقلها حتى يصلوا الى المنافسة مع رجال الاعمال خارج الكويت.
الاستقلالية
من الواضح للجميع ذهاب لاعبي الاولمبياد الكويتيين الى ريو دي جانيرو على نفقتهم الخاصة ودون دعم مادي كافٍ. كما أن المسؤولين حذروهم من المشاركة تحت علم غير علم الكويت. الا ان اللاعبين كانت لديهم القدرة المالية والاستقلالية لاتخاذ القرار. وقرروا الذهاب والمشاركة لتطوير مهاراتهم وتحقيق الانجاز في احلك الظروف. هذه الروح الرياضية لا توقفها الموارد المالية الشحيحة. والاهم قدرة اللاعبين على اتخاذ القرار بشكل منفرد. وهنا تكون التوصية الاخيرة لرجال الاعمال الكويتيين هو ان يكون تمويل عملياتهم بشكل ذاتي ومن دون قوانين او قيود حكومية. ويجب ان تكون لديهم القدرة والقرار للعمل خارج الكويت ومن دون دعم او تشجيع حكومي.
البيئة القاسية
من اهم الجمل التي يذكرها فهيد الديحاني في احد لقاءاته حرصه على التمرين في بيئة قاسية وغير مواتية. وذكر الديحاني بأنه يسعى لتجربة جميع انواع الطقس. ويفضل الديحاني التمرن في وقت الغبار او المطر او الحرارة الشديدة. وهنا استطاع الديحاني والرماة الكويتيون تحويل البيئة المناخية القاسية الى ميزة تنافسية لمصلحتهم. ولا ننسى أن الكويت كانت تتميز ببناء اقوى السفن والقوارب الخشبية في الماضي مع عدم توافر اي أخشاب او حديد او موارد مالية للكويتيين في ذلك الوقت. وأصبحت الحرارة العالية في الكويت بمنزلة ختم الجودة لتلك السفن الخشبية القديمة. حيث كانت السفن الآتية من زنجبار تتفكك لحظة وصولها الكويت بسبب الحرارة العالية. الا ان السفن الكويتية مشهورة بقدرتها على التحمل والإبحار في المحيط الهندي بسبب بنائها واختبارها في اقسى الظروف وتحت الحرارة الشديدة. الرماة الكويتيون قاوموا البيروقراطية الحكومية والإيقاف من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، وكأن البيئة القاسية جزء من قدرهم. وعلى الرغم من ذلك نجحوا في تحقيق اعلى المراكز العالمية. واستخدموا الصعوبات لزيادة عزيمتهم وإصرارهم على النجاح. وهنا نستلهم الروح التنافسية العالية نفسها من التجار الكويتيين الذين تعاملوا في الهند والخليج قبل النفط، حتى ان بعض التجار الكويتيين مثل صالح بن عثمان الراشد الحميدي وحسين بن علي الرومي وصلا الى فرنسا رغم الصعوبات التي واجهتهما في ذلك الوقت. لذلك يتميز التجار الكويتيون بالعمل في ظروف تجارية صعبة ومحدودة في الكويت. وستكون هذه الظروف بمنزلة الحافز لهم لانه عند خروجهم من بيئة الكويت الصعبة، يكونون على أتم الاستعداد للمنافسة.
الخلاصة
نستطيع المساهمة في بناء منظومة تنافسية عالية للمحافظة وللارتقاء بإرثنا التجاري العريق. يجب على رجال الاعمال الكويتيين التخصص في قطاعات تجارية محددة. وتشجيع المنافسة في ما بينهم. وبناء أنشطتهم التجارية باستقلالية تامة وبعيداً عن بيروقراطية الحكومة. وسعيهم الى العالمية بتدرج وتسلسل منطقيين. واستخدامهم البيئة التجارية المحلية الصعبة حافزاً. وبالتالي سيكون النجاح حليفهم. وينجح بعضهم في الحصول على المراكز الاولى فيما يقتنص البعض الاخر المراكز التالية. وعند صقل وتطوير مهاراتنا وقدراتنا التجارية فإن ذلك سيكون بمنزلة طوق النجاة عند انخفاض مدخول النفط. وفي النهاية، سيكون اي إنجاز فردي لرجال الاعمال الكويتيين بمنزلة إنجاز وطني ومحل فخر واعتزاز لجميع الكويتيين.
آخر مقالات الكاتب:
- مجموعة الشايع نموذج نجاح كويتي.. عالمي
- إدارة الأموال العامة وضبط المصروفات
- ملاحظات على إدارة الدين العام
- تطبيق دعم العمالة على جميع الشركات المحلية
- كيف ندمر ٣٠ ألف فرصة عمل؟!
- اقتراحات إضافية لمشروع قانون الإعسار والإفلاس
- كيف نخلق 25 ألف فرصة عمل سنوياً؟
- «من شراك باعك»
- هذه هي تحديات الكويت الاقتصادية
- وقع المحظور الذي حذَّرنا منه