اعتبر خبرا استثنائيا مثيرا تلقى الكثير من التحليلات؛ قاذفات روسية تنفذ غارات في سورية بعد إقلاعها من قاعدة همدان في إيران. إنها المرة الأولى التي تستخدم فيها الأراضي الإيرانية كقاعدة لتنفيذ عملية عسكرية منذ الحرب العالمية الثانية، ومنذ الثورة الخمينية أو حتى الشاه بهلوي الذي بالكاد سمح للأمريكيين على الأراضي الإيرانية من تنفيذ عمليات تنصت على السوفييت. وهذا الخبر أيضا يعيد ذلك إلى الأذهان انسحاب الجيش السوفياتي من إيران بعد ما سمي بالأزمة الإيرانية ـــ الأذرية في عام 1946. يدعم كل ذلك حساسية الموقف الإيراني من فكرة القواعد الأجنبية واستضافة قوات أجنبية على أراضيها. لذا فاستثنائية الحدث جعلت من التكهنات تأخذ مداها الأبعد، وذلك لما يمكن أن يعكسه هذا الحدث من تحول في الإطار التكتيكي بين روسيا وإيران، أو لربما أبعد من ذلك. ومن ذلك توسيع المشهد وتأثيره الجيوسياسي، كإمكانية الانخراط الروسي في معركة الموصل.
وحسبما أعلن، حول أسباب استخدام الروس لقاعدة همدان الإيرانية، فالمسألة تتعلق بتقصير فترة تحليق القاذفات الاستراتيجية الروسية بعيدة المدى من طراز “توبوليف ـــ تو 22 ام 3″، وبالتالي زيادة فعالية ضرباتها الجوية. لذا فالمعوقات اللوجستية بحسب الأسباب المعلنة تتقلص، كما تتقلص المسافة التي ينبغي للقاذفات الروسية قطعها بنحو 60 في المائة، مع تزويد أكبر من الوقود وتقليل الخسائر المالية. لكن الصحافة الروسية القريب بعضها من دوائر السلطة تداولت أسبابا أخرى إضافية منها إخفاء تحركات الطائرات من جواسيس يعملون لمصلحة ما أسمتهم بالإرهابيين، إضافة إلى التمويه المتجدد الذي يعتمدونه. وهذا يذكر بخسائر الروس من الطائرات المسقطة والجنود.
بطبيعة الحال، هذه الاستثناءات التي قدمتها إيران ربما تشير إلى قلق إيران نفسها من التعامل الأمريكي الأخير تجاهها، ومن إمكانية التغيير القادم مع الرئاسة الأمريكية الجديدة. لذا فهي تسعى إلى تعميق شراكاتها الاستراتيجية والعسكرية مع روسيا. لكن هذه الخطوة وغيرها هي تطور كبير لمصلحة روسيا في المقام الأول. وذلك ليس بمنأى عن التعاون الروسي مع أمريكا؛ فوزير الدفاع الروسي قال أخيرا إن بلاده تقترب من التعاون مع الأمريكيين في حلب. وقد نفت واشنطن لاحقا ذلك. لكن لم يعد مستغربا وجديدا نفي الأخيرة لما تعلنه الأولى، حيث عادة ما يكون النفي الأمريكي الأولي هو لقياس ردود الفعل تجاه بعض المواقف، لتثبت صحة خبر الإعلان الروسي لاحقا.
لا شك أن التصعيدات تأخذ شكلا جديدا، والمجازر الإنسانية باتت يومية في حلب والضحايا يتحولون إلى أرقام. ولا يبدو أن حلب الساحة المشتعلة الوحيدة في الفترة القادمة. فهل ما تقوم به روسيا حاليا في عهد الرئيس الأمريكي أوباما هو تنفيذ المهمات القذرة dirty job في سورية، لتكون أرضية التسويات الكبرى جاهزة في مرحلة الرئيس الأمريكي القادم؟. ربما، فالمشهد المتشابك يشي بتعقيدات قادمة أكبر.