لا يتوجب على «بعض المسئولين» ممن اعتادوا على التصريحات الصحافية والرسائل الإعلامية والبيانات التي تعدد إنجازات «هلامية» أن يركنوا إلى العافية، أو يرسخوا اعتقادهم بأن القيادة تقرأ ما يكتبون وتسمع ما يصرحون وتتابع ما يستعرضون وتصدق ما يقولون! وكنصيحة ناصح، من المهم أن يتوقف أولئك المسئولون عن الاعتماد على الصوت «الإعلامي العالي» لتغطية أداء لا يتجاوز صفراً على الشمال.
الصحيح تماماً، والمنطقي مطلقاً، هو أن القيادة، لا تريد من هذا المسئول أو ذاك الذي وضعته في موقع ومنصب لخدمة الوطن والشعب، أن يتردى الإنتاج لديه، أو يسير على وتيرة مترهلة بائسة بـ «البركة»، فيما هو يصول ويجول في تصريحات الصحف وفي اللقاءات التلفزيونية وفي الاجتماعات والندوات متفاخراً بأعظم أداء في «تاريخ البشرية»، أو معبراً عن الاعتزاز بأفضل مستوى من تطبيق متطلبات نظام الجودة الشامل، أو معلناً عن المضي في تحقيق الإنجاز تلو الإنجاز في القادم من الأيام، فيما ملفات الناس ومعاملاتهم وقضاياهم متكدسة في مكتبه ومكاتب مسئوليه ومديري إداراته، فيا للشعور الرائع الذي يملأ المواطن وهو يستمع لهذا المسئول أو ذاك «من طراز يعني_صدقني»، والمواطن ذاته يعلم بأنه يعاني ولايزال… الويل من تعطل أوراقه أو تعقيد تسيير معاملته.
في العديد من المؤسسات الحكومية، خلاف ذلك الصنف من المسئولين الاستعراضيين، هناك الكثير من الصور الجميلة التي تشرح صدور المواطنين حين يجدون كبار المسئولين وصغارهم، بل وحتى الموظفين والموظفات، يبذلون جهداً طيباً بدءاً من الكلمة الحلوة والابتسامة والمعاملة الكريمة، انتهاءً عند تذليل الصعوبات أمام أية إجراءات أو خطوات أو أوراق مطلوبة لتسهيل مشقة وعناء المراجع، والذهاب والإياب والدوران من مكتب إلى مكتب ومن وزارة إلى وزارة، بل والأكثر من ذلك، هناك موظفون وموظفات يتصلون هاتفياً بالمراجع ليتابعوا معه أولاً بأول، وبصراحة، مثل هؤلاء المسئولين لا تجد لهم صوراً في الصحافة ولا جولات ميدانية ولا «شنة ورنة» في وسائل التواصل الاجتماعي، ذلك لأنهم ببساطة يؤمنون بأن تنصيبهم في مواقعهم إنما هو لخدمة المواطن والمقيم، وحتى لو عرضت عليهم الصحافة إجراء حوار أو كتابة تقرير بشأن عمل مميز يستحق التقدير والإشادة، فإنهم كثيراً ما يترددون في ذلك، ويأملون في أن يتحقق إنجاز أكبر لهم حتى يعلنوه للناس عبر الصحافة والإعلام… هؤلاء يكسبون احترام القيادة والشعب… أليس كذلك؟
أما ظاهرة «فلان شو»، وهي بالمناسبة تنتشر تارة وتغيب تارات أخرى ثم تعود بدرجات متفاوتة لكنها موجودة، تلك الممارسة المعتمدة على الظهور الإعلامي المتعدد الأوقات والأمكنة، تسببت في إحداث انعكاسات واضحة منها تذمر المراجعين وشكواهم التي تصل في بعض الأحيان إلى «التعبير» عن القهر في وسائل التواصل الاجتماعي، فلم يعد مستغرباً أن تجد مواطنة وقد أصرت على الظهور في قناتها على «اليوتيوب» لتنتقد مثل هذه الممارسات وتنشر الروابط في برامج التواصل الاجتماعي، أو تجد مواطناً يصور نفسه أمام إحدى الوزارات ويكتب شكواه ومعاناته وسرعان ما تنتشر بين آلاف الناس، أو كما نشاهد بين حين وحين، ذلك المواطن الذي استخدم حسابه في «سناب تشات» ليخاطب متابعيه ويطلب منهم نشر المقطع «على أوسع نطاق» وهو يشكو الوضع المزري والشقاء بسبب تعطيل معاملته لدى ذلك المسئول «فلان شو» والذي يراه الناس كثيراً وهو يعدد إنجازاته.
على أية حال، من حق أي مسئول أن يقدم للرأي العام من خلال وسائل الإعلام المختلفة ما حققته وزارته أو جهازه من أنظمة عمل متقدمة، أو إنجازات تستحق الإشادة، أو تحقيق رقم قياسي في تنفيذ مشروع أو برنامج، ومن واجب الإعلام إبراز هذا المستوى من العمل، أما أن يقفز لنا هذا المسئول أو ذاك، من صحيفة إلى صحيفة، ومن إذاعة إلى تلفزيون، ومن «انستغرام» إلى «تويتر» فقط ليستخدم «بروباغاندا النفاق» والتلميع الزائف والهرج، فهذه الصورة واحدة من أسوأ صور الأداء، وهي تكشف أن لدينا بعض المسئولين «أقول بعض يا جماعة وأكررها»… بعض المسئولين، لايزالون يعتقدون أن القيادة، وضعتهم في ذلك المكان لكي يعتبروه من ضمن «أملاك جدهم الرابع عشر»!.