أثارت الدراسة العلمية المنشورة في جريدة القبس الإثنين الماضي لغطاً كبيراً، حيث تركزت جُل التعليقات على المانشيت الرئيسي الذي اختارته القبس وهو: أن «طلبة كلية الشريعة الأقل شعوراً بالانتماء الوطني»، لكن ما أثار انتباهي أكثر أن هذه الدراسة – التي تمت عام ٢٠١٣- تشير إلى أن شريحة كبيرة من الطلبة ما زالت تعتقد أن الولاء للطائفة أو للقبيلة يعزز الولاء للدولة، وهذا الأمر يدل على وضع كارثي في مستوى الوعي لدى الطلبة.. كما علق الباحث الدكتور علي وطفة.
في الحقيقة.. لم تتح لي فرصة الاطلاع على الأدوات المستعملة في الدراسة، ومدى توافر الشروط العلمية في استمارة البحث وأفراد العينة، لكن ما أثار انتباهي وخيبة أملي في الوقت ذاته، هي الحلول التي اقترحتها الدراسة لمعالجة هذه القضية، والتي تركزت في اتجاهين: الأول ذو طابع عقابي يتمثل في تشريعات تناهض أي ممارسات تأخذ طابعاً طائفياً أو مذهبياً في الجامعة، والاتجاه الثاني دراسي يتمثل بتخصيص مقررات تعنى بالتربية على المواطنة في مختلف الكليات الجامعية.
من المؤسف أن الحديث عن مشكلة الشعور بالانتماء والمواطنة
ما زال يجرى بعيداً عن حجر الزاوية ونقطة الارتكاز في هذه القضية، وما زال توصيف المشكلة أقرب إلى التذمر والشكوى، وما زالت الحلول التي تُطرح لا تتعدى مناهج الدراسة والعقوبات والأغاني الوطنية، لذلك ما زالت الأزمة قائمة، بل وتتفاقم مع الأيام.
البعد الغائب في أكثر ما يُطرح حول هذه الأزمة، هو البُعد المتعلق بتحقيق العدالة من أجل تعزيز الشعور بالانتماء، إذ من غير هذا البُعد يظل كل الحديث عن المواطنة مجرد حبر على ورق، فلو افترضنا أن كل المقررات الدراسية في الجامعة وفي جميع المراحل عبارة عن تربية وطنية، لكن بعد التخرج إذا احتاج الطالب إلى واسطة من أجل التوظيف، أو كانت هناك وظائف معينة في بعض الجهات محجوبة عنه بسبب فئته الاجتماعية، فلا قيمة لكل تلك المقررات الدراسية، التي ستذهب أدراج الرياح بعد أول خطوة يخطوها في حياته العملية خارج أسوار الجامعة، حيث ستنهار كل معاني الانتماء والمواطنة التي درسها، بعد أن تصطدم بجدار التمييز والتهميش والمحسوبية.
ستستمر مشكلة الانتماء والمواطنة قائمة في ظل غياب العدالة التي لن تتحق إلا في ظل تكافؤ حقيقي للفرص، واعتماد الكفاءة معيارا وحيدا لتولي المناصب والوظائف، وعدم احتياج المواطن إلى نائب قبيلته أو عائلته أو طائفته من أجل أن يأخذ حقه، والتوقف عن صناعة ودعم نواب الخدمات، وربط مصير المواطن بهم. هذا هو جوهر المشكلة، ما لم تجرِ المعالجة من هذه الزاوية فسنظل نضيّع المزيد من الأوقات في الحديث عن مشكلة الانتماء والمواطنة، وستظل المشكلة قائمة.