لا شك أننا تلقينا خبر مشاركة أربع سعوديات في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في البرازيل بكثير من الحماسة. وهي ليست أقل من حماسة الظهور الرسمي الأول لوكيلة الهيئة العامة للرياضة الأميرة ريمة بنت بندر التي وقفت قبل أيام جنبا إلى جنب ورئيس الهيئة العامة للرياضة الأمير عبد الله بن مساعد في مطار ريو دي جانيرو، ضمن الوفد الرسمي السعودي. المشهد كان بمثابة تدشين مشهد آخر جديد للمرأة السعودية، من خلال الأولمبياد. وهذه المرة بشكل أكثر جدية من المشاركة الرمزية في أولمبياد لندن عام 2012 حين شاركت فتاتان سعوديتان، كان الأقرب لتسمية حضورهما الرمزي بشرف المشاركة.
لم يطل الوقت منذ تعيين الأميرة ريمة حتى ظهرت الأربع فتيات هذا العام في حضور ذي رمزية مثيرة جدا. لقد تابع العالم حتى قبل السعوديين أنفسهم تفاصيل مشاركاتهن. غطت الصحافة العالمية خبر السعوديات بشكل كثيف جدا. رافق ذلك تعاطف شعبي في السوشيال ميديا من دول مختلفة، وصفوا ظهور السعوديات باللحظة العاطفية. لكن السعوديين ومشهدهم المفصلي حالة أخرى وهم يتعرفون على شخصيات نسائية للمرة الأولى، في بلد لم يكن فيه نشاط رياضي نسائي البتة. لذا فالتعرف إليهن هو لحظة جديدة لا تاريخ لها بل تاريخ يفتتح. وهذا التعرف بالنسبة لفتيات الوطن اللواتي يرين في الرباعي المشارك من بنات جلدتهن إلهاما كبيرا. ولا أحد بطبيعة الحال كان يأمل أن تحرز السعوديات ميداليات، فدخولهن غير المتكافئ مع محترفات دوليات لا يؤهل لذلك. الإنجاز بحد ذاته كان المشاركة وتمثيل المملكة.
الخطوات رائعة في مراتها الأولى. إلا أن نشوة المشاركة لا ينبغي أن تتوقف عند ذلك الحد، وهذا هو المتوقع. قد تكون التغييرات التي نمر بها بطيئة بعض الشيء في عصر متسارع جدا. وما زلت في الحقيقة أرفض فصل المرأة وحقوقها عن بقية التغييرات الاجتماعية المهمة. وذلك لأن المرأة وإن كانت نصف التشكيل المجتمعي إلا أنها بدورها هي المجتمع ككل. ومن ثم لا يمكن بطبيعة الحال فصل المرأة وحقوقها عن الأسرة السعودية مجملا. ومن ثم تأثير ذلك في الأسرة السعودية ومن ثم في الاقتصاد والسياسة بأي صيغ كانت، مباشرة أم غير مباشرة. ولا شك أن هناك تحسينات جيدة في ملف حقوق المرأة السعودية وبخطوات حثيثة في المجمل. وهذا الأمر لا يمكن إنكاره في مختلف الشؤون من ذلك مثالا كخطوات كبرى: الترشح في المجلس البلدي وقبله المشاركة السياسية في مجلس الشورى. وكخطوات تفصيلية مثالا: العلاج دون موافقة ولي الأمر، والعمل في مجالات مختلفة كانت محظورة حتى وقت قريب كالمحاماة. ولا ننسى بعض القرارات مثل السماح للمطلقات والأرامل باستخراج بطاقات لأبنائهن لتسجيلهم في المدارس والرعاية الصحية، وسبق ذلك نقاط قد يراها البعض صغيرة لكنها خطوات جيدة مثل سكن النساء في الفنادق بدون محرم، وشؤون تختص بحق الإرث، وتملك الأرض، ومنع الختان، وتجريم الاعتداء الجسدي، وحق الإجهاض لأسباب صحية، وتحديد حد أدنى لسن الزواج، وتمكين المرأة من التطليق وخلع زوجها، ومنحها إجازة للحمل والولادة، وغير ذلك.
ويبقى الأمل والترقب من أجل تغييرات أخرى مقبلة تعبئ هذه الخطوات وتملأ الثغرات فيها.