سيكون من اللازم على الباحثين والمتخصصين في شئون علم النفس والمجتمع، سواء في البحرين أم في سائر الدول العربية والإسلامية، تكثيف دراساتهم وأبحاثهم وإصدار توصياتهم التي تمكن الجهات المعنية من (فهم واقع الشباب الخليجي والعربي)، فكلما اضطربت الأوضاع في هذه البقاع، كلما دفعت الشباب إلى مسارات غاية في الخطورة يلزم أن تتنبه لها، وإلا فإن واحدة من أخطر النتائج، وقوعهم في أحضان الإرهاب والدمار.
تشير إحدى الدراسات إلى رقم خطير، فهناك ما يزيد على 25 مليون عاطل في الوطن العربي يضاف إليهم سنوياً 3.4 ملايين عاطل سنوياً، وتوقعت الدراسة أن يصل عدد العاطلين من الشباب في الوطن العربي إلى 80 مليون عاطل.
الدراسة توضح أيضاً أن هذا العدد الهائل من العاطلين يتطلب ضخ نحو 70 مليار دولار لرفع معدلات النمو الاقتصادي في الدول العربية لخلق ما لا يقل عن 5 ملايين فرصة عمل سنوياً… هذا على مستوى الوطن العربي، لكن، ليس في يدنا ما يمنحنا دليلاً قويّاً على أن المستقبل سيكون مشرقاً بالنسبة لغالبية فئة الشباب والناشئة في البحرين!
لست متشائماً، ولكنني وددت أن أنقل تجربتي الشخصية مع فئة الشباب لنقترب – بشكل واقعي ودقيق – من صورة هي خافية عن الكثيرين وهي حالة «الضياع» التي تعيشها نسبة كبيرة من الشباب لربما سترفع مستقبلاً من معدل إصابتهم بالاكتئاب والأمراض النفسية على اختلافها… والأخطر من ذلك، ستخلق فئة متصادمة مع المجتمع ورافضة للقيم والتقاليد وهاربة من الحياة.
فئة كبيرة من الشباب في البلد، لم تعد راغبة لا في الدراسة ولا في التفكير في المستقبل! وليست صورة عدد كبير منهم وهم يسهرون حتى ساعات متأخرة من الليل في المقاهي رغم أن يوماً دراسياً ينتظرهم في الغد، هي الصورة التي تعطي حقيقة أوضاع الشباب، بل توزعهم في المجمعات التجارية وفي الإسطبلات وفي الأسواق حتى أثناء الدوام المدرسي، يجعل الخوف على مستقبلهم أمراً حتمياً.
نجحت قبل سنوات تجربة أطلقنا عليها اسم «رسالة المحبة» بين عامي 2003 و2004 بالتعاون مع بعض المراكز الشبابية والجمعيات واللجان الشبابية لتنظيم دورات تدريبية ومحاضرات، وكانت الدورات تشمل جانباً أكثر أهمية، وهو اكتساب المهارات في مجال تكوين الشخصية، وفي التخطيط للمستقبل، وتنظيم دورات أخرى في مجال تجاوز الأزمات النفسية وتغيير الأنماط الخاطئة، وخصوصاً في شأن تحسين النظرة إلى الحياة، بل كانت بعض اللقاءات تتم بطلب من الأهالي أنفسهم للاجتماع مع أحد أبنائهم أو بناتهم ممن يواجهون مشكلة في الشعور بصعوبة التأقلم مع حياتهم أو مع بيئتهم أو مجتمعهم.
نسبة كبيرة من الشباب، بدأوا يتأثرون كثيراً بالمغيبات… فما من مصاعب تواجه بعضهم في الدراسة، وخصوصاً في المرحلتين الثانوية أو الجامعية، حتى تجد البعض يعيد سبب المشكلة إلى الحسد أو إلى إصابته بمس من الجن، أو يعتقد بأن هناك من عمل له عملاً وخبأه في مكان ما، وذلك العمل، وربما فيه سحر، أثر على حياته كثيراً! والمشكلة الأصعب، هي أن البعض منهم تجده وقد استسلم تماماً للفكرة التي أصبحت تسيطر على حياته لتقلبها رأساً على عقب.
أود أن أقول للجهات المعنية في البلاد، وأولها وزارتا التربية والتعليم، والعمل والتنمية الاجتماعية، وزارة شئون الشباب والرياضة، إن فئة الشباب المثقف الذي ينضم إلى الجمعيات واللجان الشبابية، ليست هي النموذج الحقيقي للغالبية العظمى من شباب البلد! هناك الآلاف من الناشئة والشباب الذين يتوجب إنقاذهم عبر تنفيذ مشاريع وبرامج موجهة للأسرة البحرينية عموماً وفئة الشباب والناشئة خصوصاً، ويتوجب على الدولة تنشيط الأندية والمراكز الشبابية والمرافق التي يمكن أن تستقطب عدداً كبيراً من الشباب المتسكعين في كل مكان وفي كل زاوية اليوم في البلد… الآلاف من شباب القرى الذي تتلاقفهم المخاطر هنا وهناك، لم يعد لدى غالبيتهم شعور بأن الدراسة ستنفعهم يوماً، والفكرة الأخطر التي بدأت تترسخ في أدمغتهم هي أن طريق البطالة مفتوح بلا نهاية!
حتى الآن، نحن لا نتكلم إلا عن أمنيات وشعارات، ولاتزال مقولة «الشباب عماد الأمة» مفرغة من مضامينها!
ولو أردنا أن نقدم مثلاً واحداً فقط عما قدمنا لفئة الشباب المهملين أولئك والهاربين من الحياة والأمل والمستقبل إلى أحضان التسكع والضياع والتدخين وإدمان المخدرات والسرقة والفقر والجوع، ومن يريد من المسئولين أن يرى الأمر على حقيقته، فليتجول يوماً في القرى ليبحث عن مرفق يمكنه أن يوفر لأولئك الشباب الخدمات الترفيهية والثقافية والرياضية والتأهيلية.
*همسة: بعض المجتمعات، عجزت حتى الآن من أن تنجح في منع أعداد كبيرة من الشباب من تبني أفكار التكفير والتشدد والإرهاب، رغم برامج المناصحة والإرشاد والتأهيل… وبعضهم مستعد لأن يكون قنبلة مدمرة لا تبقي ولا تذر.