حققت معركة حلب التي خاضتها المعارضة نتيجة فذة، لكن الحرب لم تنته والصراع مازال في أحد أطواره. المعارك في الحالة السورية في الجانب المعارض تهدف لمنع استفراد النظام المدعوم روسياً وإيرانياً، ولإقناعه وإقناع مؤيديه باستحالة الحسم العسكري. الحرب في سوريا بدأت بين نظام ومعارضة في ظل ثورة شعب، لكنها تحولت بفضل عوامل عديدة لحرب أهلية وحرب استنزاف لتدمير سوريا والدولة السورية..
المشكلة بالنظام بالأساس، فقد كان بإمكانه أن يتعامل بأسلوب مختلف مع الثورة، لو تم ذلك كانت ستكون سوريا في حالة مختلفة عن حالها اليوم.. الحرب السورية مازال أمامها أشواط، من أهمها أن تصل الأطراف لضرورة الحل السياسي ضمن رؤية للتنازلات والعملية السياسية والعدالة والحقوق.
لقد ارتبطت معركة حلب بنجاح الرئيس التركي أردوغان وصموده في تركيا بعد الانقلاب، ولو كان أردوغان قد سقط في الانقلاب لكانت حلب سقطت معه. فشل الانقلاب عنى بالتطبيق العملي وجود ظهير استراتيجي للثورة السورية.. بل إن تغير اسم جبهة النصرة وإعلان قطعها لعلاقتها مع القاعدة يحمل بعداً إضافياً حول تطور المعارضة السورية في المرحلة القادمة.. هذا التغير يعني إمكانية تحولات في المشهد السوري قد تدفع المعارضة نحو سورنة النزاع عوضاً عن عولمته وأقلمته.. هذه السورنة ستتطلب جهوداً جبارة من السوريين.
تركيا هي البلد الأهم في دعم المعارضة السورية، لكن العمق الخليجي يحمل لسوريا أهمية خاصة، فإقليم الخليج قادر على تأمين بعض التوازن مع الدور الروسي والإيراني.. لكن من جهة أخرى فإن أثر التفاهم السوري الروسي هو الآخر سيكون ذا قيمة وفائدة في تخفيف الاحتقان وربما جعل الصراع أكثر عقلانية.. فقد تتوافق بعض الأبعاد التركية مع الروسية تكتيكياً، لكن للبلدين رؤى وتوجهات استراتيجية مختلفة.
الحروب الأهلية كيان للصراع والاستنزاف، وهي لا تتوقف إلا عندما تقع تغيرات كبرى، فإما ينجح أحد الأطراف في حسم الحرب، وإما تنجح دولة من الخارج في تغير ميزان القوى، أو يقع خليطاً من كل هذا بينما تشعر الأطراف بالإرهاق فتصبح أكثر استعداداً للتنازل المتبادل.. هناك مسألة واحدة يتفق عليها النظام السوري مع معارضته المسلحة والسياسية: وحدة الأراضي السورية.. لكن هذا لن يقع في ظل تصور أحادي لسوريا، وحدة الأراضي السورية ستتطلب عملية سياسية تشترك فيها كل القوى من النظام ومعارضته باستثناء الأطراف الأكثر تطرفاً كداعش.
في تجارب الحروب الأهلية انتهت دول بكاملها، وفي تجارب أخرى انتهت منقسمة لعدة دول، وفي تجارب محددة انتهت بصيغ جديدة فيدرالية وكونفيدرالية.. في المتوسط العام الحرب الأهلية تطول لستة عشر عاماً، فحرب البوسنة استمرت من عام 1992 لغاية 1995 بينما الحرب في سيريلانكا استمرت من 1983 حتى 2009، وأنغولا من 1975 حتى 2002، والصومال بدأت 1991 وهي مستمرة ليومنا هذا.. لا يشترط أن تسير الحرب السورية في ذات السياق. لا يوجد ما يؤكد بأي اتجاه ستسير سوريا.. سوريا كما عرفناها في زمني الأسد الأب والابن أو منذ الاستقلال لم تعد قائمة، فالتغير الذي وقع أكبر من أن يتم احتواؤه بلا تغيرات جوهرية.. فمن جهة النظام سيتغير ويتعدّل، والتوافقات ستنتج موازين جديدة، بل سيكون من الطبيعي أن تبرز نخب جديدة في سوريا.. لكن سوريا تقع ضمن أفق إقليمي لم تتضح كل أبعاده، لكن من جانب آخر سيكون للعامل الذاتي السوري بعده الحاسم في مستقبل سوريا.. فسوريا ملك لكل السوريين المضطرين بفضل التحدي وحجمه للعمل على بلورة تيارات جامعة لصالح التعايش والبناء والحقوق.. سوريا الديمقراطية ممكنة في لحظة ما ضمن ميزان للقوى، لكن هذا قد يتطلب لامركزية وحالة فيدرالية تفرضها الوقائع.. سيتوقف كل هذا على السوريين وثوراهم وعلى ما يتبقى من النظام ومدى الاستعداد للتعايش.. سوريا بحاجة لعملية سياسية تؤدي لوضع سوري قادر على إيقاف النزيف الراهن لكن بنفس الوقت يدفع بوضوح نحو العدالة والتحول السياسي الحقوقي والديمقراطي.. انتهى.