كل ما بناه مؤسسو الديمقراطية وكاتبو الدستور في عقود، هدّه بعض أبطال هذا المجلس المزيون في أقل من فصل تشريعي واحد. أولها وأهمها كرامة النائب، التي تمثل كرامة الشعب. وقبلها هيبة النائب، ومكانته السياسية والمجتمعية. ومازال الهدم مستمراً ليلاً ونهاراً، ومازال نواب مجلس الأمة يرفعون معاول الهدم عالياً، ويرفعون على بوابة البرلمان لافتة “عمال يشتغلون”.
وأجزم أن الجميع يدرك الآن أن السلطة لم تعد بحاجة إلى تعديل الدستور، والقتال من أجل ذلك، وحشد المؤيدين للدفاع عن وجهة نظرها في وجوب التعديل. خلاص. تعديل مين يا حبيبي والناس نايمين.
وعن نفسي، لا تغضبني الرشوة التي يتلقاها النائب من المسؤول كما يغضبني تذلل النائب للمسؤول. وكلتا الحالتين خزي وانحطاط ومهانة، لكن الأولى أخف وطئاً من الثانية. فالرشوة تعني أن المسؤول مازال يحسب للنائب، ممثل الشعب، حساباً، ويرى أنه يستحق الترضية، في حين تحمل الثانية، التي هي تذلل النائب للمسؤول، معنىً آخر للانحطاط لن تجد أسوأ منه ولو بحثت في القمامة، أجلك الله، ولن أجد كلمات تشرح هذا الانحطاط من دون أن ألاحَق قضائياً.
على أن ما لا أفهمه هو مكانة النائب المتذلل بين بني قومه، وحديثه عن الشرف والناموس، واستماعهم إليه، بل وتبجيله، وإفساح صدر المجلس له، وطريقته في مشية الخيلاء بين صفوفهم.
وآخ يا زمن. وعذراً لواضعي الدستور، ولو أن الاعتذار لا يكفي. وعذراً للكويت وأهلها وشهدائها الذين تساقطوا (ارتفعوا) دفاعاً عنها وعن شرفها. وعذراً للإنسان وكرامته. وعذراً للقارئ، عن كمية الحزن المبثوثة هنا. فالوضع لم يعد يحتمل السخرية والضحك. الوضع مُبكٍ، مؤلم، محزن، يكسر النفوس الصلبة.