التقيت بعض الأصدقاء في جلسة هادئة في زخم صيف هو الأكثر حرارة بتاريخ الكويت، وإذا بالحديث عن 2-8-1990 يأخذ طابعاً مختلفاً.. بدأ أحدهم بسؤال : «لو أغلق أحدكم الراديو ولم يشاهد التلفزة أو الصحافة فسوف يكتشف أن 2-8 من كل عام يوم مثل أي يوم، ففي الدولة وفي البلاد لا يوجد ما يدلك على أن هذا اليوم مختلف ».
وبسرعة انتقل الكلام حول الطاولة لأحد الجالسين «يبدو أنك محق فقد حولنا 2-8 إلى حدث إعلامي يزداد كل عام ابتعاداً عن المضمون، بل وفرغناه من محتواه الاجتماعي وأبعاده حول التضحية والشهامة والتضامن بين الناس ودور الشباب ومكانة الصمود».
ثم أردف ثالث كان قد أخذ موقف الصمت والمراقبة: «المجتمع لم ينس ما وقع وهو عميق الولاء لتجربته، لكن بنفس الوقت هناك أجيال لا تعرف الكثير عما حصل، وهي تعيش تحت ظل انطباعات عامة.. الخطاب أكان رسمياً أو شبه رسمي وعظي فضفاض مثله مثل كل الخطابات العربية».
وفي خضم الأفكار أردف أحد الجالسين : « أخوتي التركيز على معاني الغدر ومواقف بعض الجاليات والضد والمع لم يعد ينفع، أصبحنا في بعض الأحيان، كأننا في عداوة مع شعوب عدة دون أن نلتفت للمآسي التي تمر بها الشعوب العربية ولحقيقة أن الشعوب لم تكن في جلها ضدنا وأنها كانت منقسمة على نفسها بحكم تضارب المواقف العربية».
هذا الحديث دفع بأحد الجالسين ممن لم يتحدثوا حتى اللحظة للتعبير بزخم عما يجول في قلبه: في عام 1990 كان الكثير من الناس في العالم العربي يغيرون موقفهم بمجرد التعرف على حقائق ما يقع في الكويت.. في تلك المرحلة الكثير من العراقيين كانوا معنا وهذا ينطبق على الكثير من الفلسطينيين ممن وقفوا معنا هنا في الكويت وساعدونا بطرق كثيرة لاحد لها ولا حصر.. الإعلام قلما عكس الحقيقة في تلك المرحلة وذلك لأسباب سياسية، فقد ركزنا في موقفنا على بعض الفلسطينيين ممن أقاموا حاجزاً هنا وهم من المحسوبين على الأجهزة والمخابرات العراقية، ولم نر في رادارنا من ساعدنا منهم على الهرب عبر الحواجز أو ساعد على نقلنا من مكان لآخر وضحى من أجل أن يتعمق صمودنا.. لقد قررنا سلفا فرز كل الناس وفق الجنسية» .
ثم اردف بلا توقف: «يجب أن تبقى معنا ذكرى 2-8، لا تقولوا يجب أن ننسى، فهذا جزء من تاريخنا وتجربتنا وإنسانيتنا.. فبعد كل هذه السنوات الستة والعشرين هناك ألف طريقة لاستلهام التجربة. . فمثلا ألا يمكن أن يكون هناك مسيرة صامتة تقوم بها جمعيات النفع العام في الكويت في مساء يوم – يكون هدفها بسيطاً: تذكر الشهداء واستعادة مكانتهم بشرط أن تخلوا المسيرة من الخطب والشعارات والوعظ والتحريض والتعميم وتجارة الكلام ».
وأردف آخر قائلاً : « وماذا عن تحويل يوم 2-8-1990 إلى يوم للعمل التطوعي في الكويت، فتجربه 2-8 هي في الجوهر تجربة في العمل التطوعي ومواجهة الظلم بوسائل عدة، ثم ماذا عن تحويل يوم 2-8 ليوم للتكافل الاجتماعي ولقيم التجربة الديمقراطية.. ماذا عن تحويل المدارس الصيفية في ذلك اليوم لسلوكيات احترام الرأي الآخر(وهو نقيض الاحتلال والعدوان) ولمعرفة الحضارات الأخرى في الغرب والشرق، وزيادة الاحترام بين فئات المجتمع، بل وبناء الاحترام بين الكويتيين وغير الكويتيين في مجالات العمل و مجالات الحياة المختلفة ؟ وماذا عن تحويل 2-8 ليوم لآداب القيادة، خاصة أن الناس التزمت في 2-8 بقوانين المرور رغم سقوط كل قانون، وتحويل 2-8 ليوم للمرأة في ظل دور المرأة الكويتية المتميز أبان الغزو، وتحويله أيضا يوم للطبيب خاصة في ظل دور الأطباء والطبيبات من كل الجنسيات في مجال العمل التطوعي .. هذه أفكار عن الذكرى التي تفصلنا عنها مسافة ستة وعشرين عاما»..
انتهى .