إذا كان الإرهاب القائم على التطرف معللا بأي صيغة في منطقتنا، فكثيرة هي الأسئلة التي طرحت عن الإرهاب في أوروبا وأمريكا. والسؤال الأهم لماذا الإرهاب والعنف يأتي تحديدا من الجيل الثاني من المهاجرين في دول الغرب؟ الجيل الأول في فرنسا مثالا حارب تحت علم فرنسا ويكن انتماء حقيقيا لها، كما أسهم المسلمون كمواطنين دون اعتبار للدين في نهضة البلدان التي هم فيها سياسيا واقتصاديا ورياضيا واجتماعيا وغير ذلك. وما يأتي على رأس أسباب تنامي التطرف الآن من المسلمين في البلدان الغربية، هو وجود صراع للأجيال داخل المجتمعات الإسلامية المنعزلة في البلدان الأوروبية، فضلا عن عدم قدرة الخطاب الديني للأئمة في المساجد على التعبير عن هموم الجيل الجديد.
وهنا تبرز أسئلة عن مدى ارتباط الأزمة العالمية ببعضها بعضا بصيغة أو بأخرى. ولا سيما أن على رأس أسباب ذلك ليس التدين المتطرف فحسب بل وجود صيغة مبررة لتصريف هذا العنف من مسلمين وغير مسلمين. إذن لا بد أن شبكة الأسباب مشتركة وإن تعددت المناطق وتنوعت عللها. الجهاد في فكر المطبق للإرهاب كما المبرر له هو جهاد سياسي ضد الدول المنفذ فيها أو ضد سياسات معينة أو تفريغ انتقامي. وذلك بغض النظر عن الأسباب الحقيقية الفعلية من المنفذين. ويبقى الجهاد السياسي اسمين يعبران عن تناقض فادح. فالجهاد مفهوم معروف في الإسلام ، بينما السياسة فعل مدني. وفي كل حال، لا يخرج الجهاد السياسي عن قاعدة الجهاد الشرعي، الذي يأخذ صيغته الدينية المرتبطة بعصر صدر الإسلام وعصر الفتوحات، حيث الجهاد له أسبابه وصيغه. فكرة الجهاد بقاعدة سياسية، فكرة بإمكانها إغراء الشباب المستعدين للموت تحت أي ذريعة.
الإرهاب جريمة لكن ربطها بالدين يكسبها شرعيتها. وعدد الأعمال الإرهابية التي نفذت أخيرا في المنطقة كما العالم نفذها شباب مسلمون. الأزمة لا شك مخيفة، ليس لأن الإرهاب عالمي، بل لأن بعض علل الإرهاب نابعة من منطقتنا. أما لماذا، فلأن الإسلام هو علامة الربط. هي المنطقة التي تستدعي ليس فقط استقرارا سياسيا بل تغييرا اجتماعيا وثقافيا حتى اقتصاديا يستدعيه صانع القرار السياسي. والتغيير والتطوير يبدآن من الداخل، حيث الإرهاب والعنف يأخذ صوره المختلفة المتشكلة داخليا سواء أكان التنفيذ داخليا أم خارجيا. وقد بدا أخيرا أن النهج المتبع في الإرهاب ينفذ بأدوات محلية أكثر منه أدوات خارجية في الغرب على الأقل، فالأدوات الخارجية هي الفكر والتشريع. حماية الحاضر كما حماية المستقبل مكمن خطر ما زال أمامنا الطريق طويلا لعلاجه جذريا، وليس مواجهته أمنيا فحسب. وهنا يظهر التماهي بين المواجهة الأمنية والحل الجذري؛ بين الوقاية وبين العلاج.