بوفاة المرحوم حمد الجوعان فقدت الكويت واحداً من أبرز الكفاءات الوطنية المخلصة، وكان طموحه السعي والمشاركة بفعالية لدفع عجلة التطور والتنمية للكويت، ودعم مطالب الشعب وقضاياه، وأهمها مكافحة الفساد والترهل الإداري، وهما مرضان لم يكونا بالحجم المنتفخ الذي نعانيه اليوم.
سطر سجل حياته العملية ببروزه كأكثر الكفاءات الإدارية، الشاب الواعد، وكان دوره مرموقاً مع المناضل الوطني جاسم القطامي في صياغة قانون التأمينات الاجتماعية لتحويل قرار مجلس الأمة لعام 1971 بمطالبة الحكومة بإنشاء نظام للتأمينات الاجتماعية.
وبعد إقرار النظام وخروجه إلى حيز التنفيذ كلف بإدارة مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وأدى ذلك الدور بكفاءة عالية، ومازال النظام يحمل بصماته، ويشار إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية كنموذج يقتدى به على حسن الإدارة وكفاءتها ورقيها، وهذا دليل على قدرة شبابنا على العمل بالجدية والإخلاص والتنظيم الراقي، والحرص الدقيق على أموال الشعب الموكلة إدارتها للمؤسسة، واستمر ذلك النظام الذي أسس له ووضع بنيته وأحسن اختياره لمساعديه وموظفي المؤسسة، وكان يحظى آنذاك برعاية المغفور له صاحب السمو الأمير الشيخ جابر الأحمد.
وفي عام 1985 اختار حمد خوض معركة الانتخابات عن الدائرة الثانية (ضاحية عبدالله السالم) وفاز فيها.
وقد أنعشت انتخابات مجلس 1985 الأمل باستئناف مسيرة التطور نحو الديمقراطية بعد انتكاسة 1981، عندما عدلت السلطة نظام الانتخابات بمرسوم أميري في غياب المجلس التشريعي 1967، ولما لم يمض على انتخابه سبعة أشهر، ووصف د. عثمان عبدالملك ذلك المرسوم بعدم الدستورية، حتى بعد موافقة المحكمة الدستورية عليه، فقد فازت في تلك الانتخابات عناصر المعارضة الوطنية، د. أحمد الخطيب وجاسم القطامي وسامي المنيس، وقد أضيفت عناصر شابة جديدة هم أحمد الربعي وحمد الجوعان وعبدالله النفيسي وعبدالله الرومي، إضافة إلى الفاضل جاسم الصقر، مما أعطى لذلك المجلس زخماً وطنياً وأنعش الآمال بعودة ما كان يسمى بالعصر الذهبي للديمقراطية.
في ذلك المجلس برز حمد الجوعان في دور تفعيل رقابة المجلس، وكانت الكويت آنذاك تمر بأزمة سوق المناخ وما عانته من نتائجها، فقدم استجوابه عن المخالفات التي شابت معالجة الحكومة للأزمة، وأقول مخالفات، لأنها لم تكن سرقات واختلاسات بالحجم الذي تلا تلك الفترة، وكان من نتائج ذلك الاستجواب آنذاك استقالة وزير الدولة.
ولاحقاً أثار حمد قضية الاختلاسات من شركة الناقلات، وترى بعض التفسيرات أنها أحد أسباب حل مجلس الأمة لعام 1985 قبل أن يكمل سنة من عمره.
وبعد ذلك كان له دور نشيط في التجمعات الاحتجاجية التي عرفت بدواوين الاثنين.
لكن رصاص الغدر والفساد انقض على حمد في الليلة التي كانت تحتفل فيها الكويت بانسحاب القوات العراقية الغازية، ما أدى إلى إصابته بالشلل النصفي، وغرست في جسمه آلاما مبرحة مستمرة عجز الأطباء عن معالجتها.
وبعد إعادة العمل بالدستور وعودة السلطة من منفاها، وبعد احتجاجات ومطالب شعبية أعيد العمل بالدستور وأجريت الانتخابات في عام 1992، وفاز فيها حمد عن الدائرة الثانية، وترأس لجنته التشريعية والقانونية، وظهر دوره البارز في اقتراح وصياغة قانون حماية الأموال العامة وإيجاد لجنة في المجلس لهذا الغرض.
كان حمد في الفترة القصيرة من حياة ذلك المجلس حريصاً على الاتصال بالقواعد الشعبية، وهو صاحب اقتراح عقد لقاءات مع ناخبي الدائرة التي كنت شريكاً له في تمثيلها.
وكانت تلك اللقاءات مفيدة واستقبلها ناخبو المنطقة، فكانت مرحلة واعدة للأخ حمد، لكن الإعاقة واشتداد آلام المرض لم يسعفاه أو يعيناه على استكمال ذلك الدور الوطني النشط.
وفي آخر لقائي به في المستشفى وجدت حمد متألقاً بمتابعة الأخبار بشكل عام والكويت بشكل خاص، ونقل لي ما قرأه في جهاز الآي باد (الكمبيوتر اللوحي) خبر الحكم الصادر بحق المتسببين في اختلاسات مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وكان يناقش بذهن وقاد وحيوية بارزة النشاط، لدرجة أنك تتساءل: لماذا يبقى في المستشفى وكانت حالته تبشر بالخير؟
لذلك فوجئت بخبر وفاته المحزن، رحم الله حمد عبدالله الجوعان، وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان.
والأمل في أن يحذو أبناؤه سيرة والدهم، وأن يحالفهم التوفيق في ذلك.