بلغني خبر رحيل الرجل الفذ حمد الجوعان، رحمه الله، أثناء حضوري مؤتمراً خارج البلاد. مر شريط طويل من الذكريات، عن الصلابة والموقف ومحاربة الفساد، إلى الغزو، إلى خبر محاولة الاغتيال الشنيعة، إلى الصمود والإصرار والترشح لانتخابات ١٩٩٢، فكان حزناً من نوع خاص.
لو لم يحتسب للراحل الكبير حمد الجوعان إلا إنجاز مؤسسة التأمينات الاجتماعية فقط لكفاه ذلك؛ فنحن في بلد المشاريع الفاشلة، وهدر الإمكانية، والفساد المركب، وعندما ينجح مشروع كالتأمينات، فذلك يمثل اختراقاً لثقافة البلاد السائدة. كانت المؤسسة نموذجاً عن كيف يمكن أن يكون الإصلاح، إن توافرت له الإدارة الجيدة، والإخلاص، والتفاني، والمعرفة، وينسحب الأمر على كل من عمل بتلك المؤسسة في تأسيسها. طرحت المؤسسة مفهوماً جديداً في احترام المراجعين. كان حديث المدينة حينذاك، في ذلك الزمن، بعد أيام من عمل المؤسسة، عن عدم احتياجك إلى الواسطة، في بلد زاخر بالواسطة. كان نمط احترام آدمية المراجعين جديداً على مفاهيم الإدارات الحكومية، والتي مازال الكثير منها يتعامل مع المراجعين وكأن عمله منة وليس حقاً للمواطن. وبسبب “التأمينات” ونمط إدارتها الراقي، حاولت عدة دوائر حكومية أن تقلدها، وقد حقق بعضها تقدماً في هذا المجال، وفشل بعضها، وهذه طبيعة الأشياء، ولكن نموذج الجودة صار قائماً، والآن صار معلوماً ما جرى للمؤسسة من بعده، وبالذات ما يخص الفساد الذي استشرى.
عند رحيل رجال على شاكلة حمد الجوعان، يحق لنا وللبلد أن نحزن، فهو على الرغم من تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة، ظل صامداً، صابراً، متحملاً الألم والمعاناة. حمد الجوعان كان ذلك الغائب الحاضر، الذي أوجد على الأرض ما لا يمكن للرصاص أن يمحوه، ولذلك تمسك بالحياة، بعناده المعروف، ليعلن أنه لن يختفي من حياتنا، ولذا أتمنى على مجلس إدارة التأمينات الاجتماعية أن تطلق اسم حمد الجوعان على المبنى الرئيسي، وعدم الاكتفاء بنشر إعلان نعي لفقيدنا الكبير.
رحم الله حمد الجوعان، وخالص العزاء لأسرته الكريمة، و”إنا لله وإنا إليه راجعون”.