حضرت قبل أيام فعاليات مؤتمر الدوحة الثاني عشر لحوار الأديان والذي يشرف عليه سعادة د.ابراهيم النعيمي، وقد شارك المئات من مختلف الأديان والحضارات في فعاليات الدورة التي تمخض عنها بيان الدوحة الداعي للتسامح مع الآخر ودعم أفكار الحداثة والتنوير كوسيلة لمواجهة التطرف ومحاربة الارهاب.
***
وكانت هناك أوراق متميزة قدمها كل من د.عثمان بكار من سلطنة بروناي الذي أكد على أن معالجة ظواهر العنف والتطرف تتطلب اصلاح النظام التعليمي وخاصة التعليم الديني، في المقابل استعرضت الدكتورة المغربية مريم الهيثامي تجربة المغرب الرائدة في استباق عواصف الحراك العربي وتحويله الى نسائم ربيع لم تتسبب في أي ضرر على الدولة او النظام وذلك عبر تفعيل ادوار المساجد الشرعية وإغلاق مساجد التطرف غير الرسمية وخلق منظومة «النساء المرشدات» لمحاربة الفكر المتطرف عند النساء وبالتبعية عند الأزواج والأبناء. بدوره، أوضح د.محمد السماك من لبنان الفارق بين المقدّس وهو ما جاء في القرآن والسنة النبوية وغير المقدّس والمتمثل في اجتهادات الافراد التي قد تخطئ أو تصيب والتي يجب نقضها وتفنيدها وخاصة ما يتعلق منها بالقتل واستباحة الدماء.
***
وكانت لنا مداخلة في الجلسة العامة ذكرنا فيها ان احد اهم اسباب عدم قدرة بعض القيادات الدينية على التنوير وتحدي الموروث الماضوي الداعي للتطرف والتكفير والقتل والإتيان باجتهادات وقراءات عصرية كما حدث مع الاديان الاخرى التي تصالحت مع النفس ومع الآخرين، هو حقيقة ان الصفوف الامامية الذكية في المدارس ببلداننا مازالت تذهب لدراسة العلوم الانسانية كالطب والهندسة والصيدلة والكمبيوتر والاقتصاد والمحاماة.. إلخ، بينما تذهب بعض الصفوف الخلفية بالمدارس لدراسة علوم الشريعة رغم ان أخطاء منضوي العلوم الانسانية تصيب الافراد بينما تتسبب الفتاوى الخاطئة لرجل الدين في فادح الضرر على حياة الملايين وينتج عنها كثيرا تدمير الاوطان وقتل مئات الآلاف.
***
وفي مداخلة اخرى طالبت بألا نجامل انفسنا او ان نغيب الحقائق ونخلط الاوراق، كقول بعض المشاركين ان حال المسلمين هو تماما كحال غيرنا، فهناك، حسب قولهم، تطرف وإشكالات لدى الاديان الاخرى، وبالتبعية فلا إشكال لدينا يحتاج منا الى حله، والحقيقة هي ابعد ما تكون عن ذلك الطرح الذي يرمي في النهاية إلى عدم محاربة فكر التطرف والإرهاب، فقد كانت هناك «بالماضي» وليس بالحاضر، كحالنا اشكالات بين المسيحيين واليهود وغيرهم الا انهم واجهوا اشكالاتهم وحلوا مشاكلهم ولم يبق في العالم على الاغلب الا مشاكل أتباع ديننا مع الارثوذكس في صربيا وروسيا ومع الكاثوليك في فرنسا والفلبين ومع البروتستانت في اميركا وبريطانيا ومع اليهود في فلسطين ومع الهندوس في الهند ومع البوذيين في بورما.. إلخ، لذا علينا ان نواجه ذلك الواقع ولا ننكره كي يمكن معالجته وحقن دماء المسلمين ودماء الآخرين!
***
وفي ردي على شكوى بعض القساوسة العرب من حراجة موقفهم امام ابنائهم عندما يصدح بعض أئمة المساجد عبر الميكروفونات بتكفيرهم وتشبيههم بالحيوانات، اعتذرت لهم وقمت بتذكيرهم بأن تكفير المتشددين المسلمين للمسلمين أشد اثرا على المسلم، فتكفيرهم لكم لا يتسبب في حل دمكم ولا فسخ عقود زواجكم ولا يمنع بالتبعية من زواج ابنائكم وبناتكم، مضيفا بأن لليهودي او المسيحي ان يعتنق اي فكر سياسي إنساني كالليبرالية والعلمانية والقومية واليسارية وحتى الماركسية دون ان يخرجه ذلك من دينه، اما المسلم فما ان يعتنق ذلك الفكر «السياسي» حتى يتسابق بعض رجال الدين على تكفيره وإخراجه من الإسلام، عبر القول ان ذلك التوجه السياسي والانساني المنافس لتياراتهم السياسية المؤدلجة هو فكر كافر، لذا فكل منضوٍ تحته كافر بالتبعية، وكيف للعبة الديموقراطية ان تتم وأحد طرفيها يستحل دماء منافسيه ماداموا لا يقولون بما يقوله؟!
***
آخر محطة: (1) على هامش المنتدى اطلعت على جهد خيّر آخر لمؤسسة قطر للتعليم يستحق التنويه والإشادة وهو مركز «مناظرات قطر» الذي يهدف الى نشر ثقافة الحوار والوسطية والمناظرة على أسس علمية في قطر والوطن العربي، فمناظرو اليوم هم قادة المستقبل.
(2) بعض القمم العربية في الماضي وإبان عهد الطغاة الجهلة المخابيل كانت في امس الحاجة لتعلم.. اول مبادئ الحوار والمناظرة..!