لا يكاد يمر يوم على المنطقة إلا وتتعالى فيه أصوات طبول المعركة، ويزداد الحشد لها، ويتعمق الاصطفاف، ويتعقد المشهد أكثر، حتى أصبحت قناعة الكثير من المتابعين بأننا مقبلون على حرب عالمية جديدة غير محمودة العواقب، ولعل أخف نتائجها إعادة تقسيم المنطقة على أساس عرقي وطائفي، ما يعني العودة إلى الوراء أكثر.
عندما نبحث في الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحالة، يتضح لنا أن على رأس هذه الأسباب تشبث بعض الأنظمة العربية بالسلطة، واستعدادها للتضحية بكل شيء من أجل البقاء فيها. ففضلاً عن أن هذه الأنظمة فشلت فشلا ذريعا في تحقيق تنمية وعيش كريم لشعوبها خلال عقود طويلة من الحكم، فهي أيضا لا تمت لشعوبها بصلة، ولا تعبّر عن إرادتها، لذلك كان من الطبيعي ــ وفق حركة التاريخ ــ أن تطالب الشعوب بأن تُحكم بإرادتها، وأن يكون لها صوت في إدارة شؤونها، وأن تكون أنظمة الحكم معبّرة عنها وعن آمالاها وطموحها، وأن تعيش في حرية وسلام ورفاهية، كما تعيش بقية شعوب العالم المتحضر، فهذا هو المطلب الطبيعي لكل إنسان يشعر بإنسانيته، وهو مطلب أخلاقي لا غبار عليه، ويستحق الاحترام والدعم، لكن غير الطبيعي ولا الأخلاقي هو ما تقوم به تلك الأنظمة وحلفاؤها من الوقوف في وجه ذلك الطموح، وبأقذر الوسائل!
نحن اليوم على وشك مواجهة كبرى في المنطقة، قد تأكل الأخضر واليابس، ولا يسلم أحد من عواقبها، مع أننا كنا أمام فرصة ثمينة للانطلاق نحو المستقبل بفعل الربيع العربي، الذي استطاعت فيه الشعوب أن تتخلص بأقل الخسائر من أنظمة جثمت على صدورها عقودا من التخلف والاستبداد، ولكن هناك من عرقل تلك الفرصة التاريخية، وهم أنظمة الثورة المضادة وحلفاؤها، خوفا من خسارة مواقعهم أو أن تصلهم رياح التغيير، وفضّلوا أن تخسر الأمة بأكملها، وتدخل في دوامة الصراع الداخلي، الذي فتح الباب للتدخل الخارجي، حتى يبقوا هم على رأس السلطة، وإن كان الطريق إلى ذلك يمر عبر جماجم الأبرياء وخراب الديار!
ما نعيشه اليوم من حالة توهان شديدة، وتعقيد في المشهد، وخروج الأوضاع عن نطاق السيطرة، أدى إلى تدخل مباشر من قوى الشرق والغرب للتحكم في مصير المنطقة، سببه الرئيسي عرقلة عملية التغيير التي كانت تسير بشكل سلس، وكانت فرصة للأمة أن ترسم مستقبلها بإرادتها، لكن الوقوف في وجه ذلك المسار ومحاولة وأده، وتعطيل حركة التاريخ، أوصلت الأوضاع إلى ما هي عليه الآن، حتى أصبحنا ننتظر وقوع حرب كونية لا يكاد يسلم من نيرانها أحد.