مع توقف الحرب الاهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما على ارض مساحتها 10 آلاف كم2 لم يبق في لبنان حجر فوق حجر، وكانت الصراعات السياسية والدينية والمذهبية اللبنانية مازالت مشتعلة تحت الرماد، انذاك قرر الشهيد رفيق الحريري خلق ورشة عمل من امواله لإعمار لبنان وكان يعلم انه ان لم يستثمر امواله في لبنان المدمر ويظهر ثقته في مستقبل بلده فلن يقدم اي مستثمر آخر على ذلك الامر. ما فات الشهيد انذاك ان استثماراته التي تبلغ المليارات في بيروت ولبنان ستصبح الوسيلة الفاعلة التي يستطيع بها خصومه السياسيون الضغط عليه وذلك عبر اغلاق مشروع قلب بيروت
بالخيام والمظاهرات والغزوات العسكرية دون النظر للضرر الفادح الذي يصيب لبنان ككل جراء تلك الاعمال.
***
وقد نشرت جريدة النهار اللبنانية قبل مدة دراسة تظهر افلاس واغلاق مئات المطاعم والمكاتب والمحلات والشركات وحتى الفنادق في مشروع السوليدير لاعمالها بسبب تلك القلاقل والاضطرابات المتكررة التي تستهدف قلب بيروت بشكل دائم، وقد علم الرئيس سعد الحريري أن الضرر الاقتصادي على بيروت ولبنان وعليه شخصيا سيبقى مستمرا مادام استحقاق الرئاسة وبقية الاستحقاقات الدستورية الاخرى مازالت معلقة (للعلم يبقى قلب بيروت مغلقا امنيا كلما تمت دعوة مجلس النواب للانعقاد لانتخاب رئيس لينعقد بعد ذلك دون نصاب فتتكرر الدعوات وتتكرر معها الاضرار)، لذا فاختيار الرئيس سعد الحريري للمرشح سليمان فرنجية – المنضوي كحال المرشح ميشيل عون لقوى 8 آذار- للرئاسة ليس قرارا سياسيا بل اقتصادي بالمطلق.
***
فسليمان فرنجية هو وزير الداخلية ابان اغتيال الحريري الأب وكان ألد اعداء الشهيد رفيق الحريري حتى انه كان يلقبه بـ«ثعبان قريطم»، ويرى البعض ان عملية الاغتيال ما كانت تتم دون تأمين بعض المناصب الوزارية المهمة، وان ولاء المرشح فرنجية لسورية اقوى من ولاء المرشح عون لها، كما ان دعم الحريري لعون كان سيضمن «عون» للقصر الجمهوري والحريري لسرايا الحكومة، اما رئاسة فرنجية فلن تصاحبها رئاسة لقوى 14 آذار للحكومة بل هي رئاسة اشرس في العداء للحريري من رئاسة اميل لحود حليف القيادة السورية.
واختيار الحريري لعون قد يقبله على مضض وضمن تفاهمات انتخابية- نيابية معينة حليفي الحريري د.سمير جعجع وامين الجميل، اما اختيار فرنجية الذي لا يملك قاعدة مارونية قريبة مما لدى التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب فيخلق ازمة لا يمكن هضمها من قبل حلفاء الحريري الموارنة مما قد يدفع البعض منهم إلى التحالف مع ميشيل عون نكاية في وليد جنبلاط الذي يقال انه الداعم الاول لترشيح سليمان فرنجية الحفيد، مذكرين بأن صوت كمال جنبلاط عام 70 هو الذي انجح وأوصل سليمان فرنجية الجد لرئاسة لبنان وفي عهده اشتعلت الحرب الاهلية وندم جنبلاط الأب لاحقا كثيراً على ذلك الاختيار.
***
ويتهم بعض المتابعين للشأن اللبناني اسرة فرنجية بأنها متعصبة سياسيا وضيقة الافق، وسريعة الغضب، ويستشهد هذا البعض بشريط على الـ«يوتيوب» يظهر فيه المرشح سليمان فرنجية وهو يشتم ويتعدى على بعض اتباعه مما يثير التساؤل عن اهليته لقيادة لبنان في هذه المرحلة الصعبة وعن المدى الذي سيتعاون فيه مع الرئيس بشار الاسد، كما يذكر هؤلاء السيرة الدموية لجده الرئيس سليمان فرنجية الذي اتهم في يونيو 1957 بقتله لـ 22 مصليا في كنيسة مزيارة وهربه لسورية حتى اصدار الرئيس فؤاد شهاب العفو عنه ثم رئاسته للجبهة اللبنانية احد اطراف الحرب الاهلية وهو رئيس للجمهورية ثم رفضه طلب 66 نائبا مما مجموعه 100 نائب لتقصير امد ولايته كوسيلة لامتصاص الغضب الاسلامي واليساري والفلسطيني الذي ازعجهم الانحياز السافر من رئاسة الجمهورية لأحد اطراف الحرب الاهلية مما اطال في امدها بعد ان فقدت الرئاسة مصداقيتها وحياديتها، ويخشى البعض تكرار الحفيد لسيناريو الجد!
***
اخر محطة:
يستغرب رئيس القوات اللبنانية د.سمير جعجع من إلقاء سليمان فرنجية اللوم الكامل عليه في جريمة إهدن التي ذهب ضحيتها والده طوني فرنجية على يد قوات الكتائب ضمن مشروع ما سمي بتوحيد البندقية المسيحية.. انذاك، ويقول انه كان مسؤولا صغيرا في حزب الكتائب وقرارات كهذه تتخذها القيادات، وكان رئيس الكتائب بيار جميل الاب ورئيس القوات الرئيس بشير جميل وتحته فادي افرام وإيلي حبيقة وقد تصالح فرنجية معهم جميعا تطبيقا لقرارات مؤتمر الطائف الهادفة لإغلاق ملفات الحرب الاهلية واستثني من ذلك د.سمير جعجع، مما يجعل الامر اشبه بالعداء والثأر الشخصي الذي لا يجوز لمن يحمله في عقله وفؤاده ان يرأس الدولة فيستخدم مواردها مرة اخرى للانتقام حتى على حساب السلم الأهلي!