لا يوجد “لوبي” (أو جماعة ضغط)، استغل الثقافة الاجتماعية في المنطقة مثل “لوبي” أفراد الإسلام السياسي، سواء تلك التي تندرج تحت إطار جماعة سياسية ـــ وهي بطبيعة الحال ذات فضاء محدود في منطقتنا، أو التي تستغل العاطفة الاجتماعية تجاه الدين دون إطار جماعة محددة وهي كثيرة. يستغل المتطرفون منابر التواصل الاجتماعي لإبراز القوة وكثافة الجمهور بصورة تصل لدرجة شراء متابعين بالملايين. وكما يفعل لتشكيل قوة مضادة ومنافسة للسياسة في المجتمعات، يقوم المتطرفون بتأسيس الكبت وتوظيف هذا الكبت وإدارته في المجتمع. ومن ثم يقومون بابتزاز المجتمع والسياسي معا. وأقرب مثال هم المتعاطفون مع داعش منهم، بطريقة أقرب للصريحة منها للملتوية، وذلك بتبرير أفعال الإرهابيين بصور مختلفة.
التطرف في حد ذاته عملية سياسية شبه بدائية تلائم المجتمعات التي يمكن أن تتلقى وتتقبل هذا التطرف كالمتدينة منها، والدين بطبيعة الحال هو القفل وهو المفتاح. التطرف ليس ظاهرة حديثة بمفهومه العام، بل تاريخي قدم المجتمعات الإنسانية نفسها. إلا أنه وإن بدأ بمفهوم سياسي فهو يسعى لأن ينافس الإدارات السياسية الآن بل يسعى لأن يحل محلها. وهذه المنافسة غير متوافرة في المجتمعات العلمانية التي لا يوجد فيها غالبا ما يوحد أفرادها في وجه الإدارات السياسية والأنظمة القوية. وهي تجد أرضا خصبة في مناطق مضطربة كالشرق الأوسط.
التطرف في الأديان متشابه تاريخيا إلى حد كبير، والتطرف الإسلامي الآن يذكرنا بالتطرف المسيحي تاريخيا وتطرف اليمينيين. للتطرف بالضرورة أساس سايكولوجي، إذ إن غريزة القوة هي أساس فكرة التطرف وإن اتخذت أقنعة مختلفة. القوة وتعزيز الوجود يتطلب وجود تنظيم أو جماعة حتى يتماهى المتطرف معها وتذوب فيها شخصيته ويتعطل فيها عقله تبعا لقيادة الجماعة التي قد تكون مشكلة رسميا أو لا تكون. والهدف واحد هو إبراز قوة الجماعة من خلال الفرد والعكس، وهو ما يفسر بـ “الانتماء” الذي يعزز ذلك الوجود. وهذا ينسحب على أي تنظيم أو جماعة أيضا خارج إطار التطرف الديني، شأنها شأن أي عصابة لها مشاريع مختلفة.
وتجد ذلك في أتباع الجماعات المتطرفة من الشباب أيضا الذين يرفضون رفضا شرسا أي عملية نقد ونقاش في المسلمات المفترضة التي يريدونها أن تستمر كما هي دون الخضوع للنقد والتحليل الفكري. أما القتل والتفجير فهو وسيلة حادة للتغيير والتعبير. لذا فكل رأي مخالف هو مبرر بـ “الكفر” الذي يحلل كل شيء كالقتل والتدمير والجنس والسبي وسوق النخاسة الحديث. لذا فتفاصيل الدين الصغيرة المختلف بشأنها هي مشروع ضمني لتوظيف الكبت وإدارته، لا سيما ما يخص المرأة، وهي عصب الإدارة. واللافت أن مسائل أخرى أهم اجتماعيا لا تثير اهتمام المتطرف، وذلك لأنها لا تتماهى مع مشروع “إدارة الكبت”. بل ما يفتح شهية المتطرف غالبا هي المسائل الصغيرة تلك التي يختلف بشأنها الفقهاء.
العقل المتطرف لا يرى الألوان سوى أبيض وأسود، معي ضدي، كافر مؤمن… إلخ. أما الوسطية فتعني ببساطة لاذعة: مزج الطيب بالخبيث. كما أن أي اعتراف بالآخر هو بمثابة هجوم على المتطرف نفسه وانتصار للعدو. وهكذا يتم تلقائيا صرف فكرة الدين إلى مشروع سياسي. الترهيب هو أداة مهمة لا يشترك معها الترغيب إلا في الانضمام لدائرة الكبت نفسها. إذن فأن نفهم فكر المتطرف معناه أن نخطط إلى ما هو أبعد من إنكار أفعاله، أو حتى المعاقبة بصيغة رد الفعل فقط.