الحديث يدور الآن، في أروقة السلطات، عن قطع خدمة الاتصال عبر برنامج واتس أب وڤايبر وما شابههما، بحجةٍ ظاهرها الحفاظ على الأمن، وباطنها الحفاظ على “مصالح الشركاء وأصحاب القرار”. ولولا خشية هؤلاء على مصالحهم لأصدروا أمراً بمنع استخدام السيارات، بحجة أنها تنقل الإرهابيين، ولقرروا إغلاق الفنادق أيام الخميس والجمعة، بحجة أنها آوت إرهابياً!
وهنا تظهر جلياً الفائدة من الجمع بين التجارة والسياسة والمناصب… ولك أن تتخيل، لولا خوفهم على مصالحهم، قراراً بمنع التنقل بواسطة السيارات، والاستعاضة عنها بالحناطير والحمير والخيل والإبل، من باب مكافحة الإرهاب.
على أن التفكير بقرار وقف الاتصال عبر الإنترنت، لا يُذكر سوؤه مقارنة بقرار فحص الـ”دي إن إيه”. ليش؟ لأن الحكومة، أثناء ردها على من يرفض القانون خوفاً من الفضائح وهدم البيوت وجرائم الشرف، تضع يدها على صدرها بطريقة “يا لهوي”، وتبرر وهي تمسح دموع الحنان: “لأسباب أمنية ليس إلا، ثم إننا نضمن سريتها”… سرية مين يا أبو سرية؟
أجزم، وأقطع ذراعي من هنا، إن لم يتم التعامل مع ملفات دي إن إيه كما تم التعامل مع ملفات الجنسية، فيتم تسريب ملفات الخصوم إلى سافل يشتم أعراض الناس ويفضح أستارهم في الفضائيات والصحف، ويتم تمرير خبر من هنا أو من هناك لمغرد تابع للمسؤولين، وفي المقابل تتم التغطية على دي إن إيه فلان، ليس من باب الشهامة والقانون، بل لأنه “من ربعنا”، ومعاقبة فلان، بكشف ملفه، لأنه من المعارضة.
من يضمن لنا ألا يتعامل بعض المسؤولين بخسة مع أمر حساس كهذا؟ من يضمن لنا وقد جربنا وشاهدنا بأنفسنا طريقة تعامل هؤلاء مع ملفات حساسة أخرى؟ لكن، ومن باب النصيحة، أقول لهؤلاء المتحمسين لموضوع دي إن إيه: لا تأمنوا الدنيا، فقد تنقلب الأحوال، وتتغير الكراسي، وتنتقل هذه الملفات إلى أيادي خصومكم، فتصبحون أنتم المعرضون للفضيحة… فلا تلعبوا بالنار. أطيعوني.