خسرت الدبلوماسية السعودية والخليجية والعربية أحد أهم أركانها على مدى أربعة عقود بفقدان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي وعميد الدبلوماسية العربية ، فلم يكن الفيصل وزيراً عادياً بمقاييس وزراء خارجية هذا الزمان وإنما كان مواطنا عربياً أصيلاً بامتياز يتنفس ويتحسس معاناة أمتيه العربية والإسلامية ، كيف لا وهو إبن الملك الصالح فيصل بن عبدالعزيز طيب الله ثراه الذي أعاد الهيبة لأمته العربية بإيقاف تصدير النفط إبان حرب أكتوبر1973 ووضع قضية القدس همه الأول والأخير وذرف الدموع وألقى العديد من الخطب لحث أبناء الأمة العربية والإسلامية لاسترداد القدس وعدم الخنوع للأعداء .
بفقدان الفيصل خسرنا قامة سياسية كان لها الأثر الكبير في صياغة القرار العربي والإسلامي في أروقة الأمم المتحدة ، رهن نفسه وصحته وجهده ووقته من أجل قضايا العرب والمسلمين وآخرها القضية السورية وما يعانيه الشعب السوري الشقيق من قتل وتشريد على يد نظامه المجرم ، كان في كل خطاباته نجد حرقة وحزن كبيرين عندما يستعرض معاناة الشعب السوري والظلم الذي يتعرض له من نظامه وممن يتحالف معه كروسيا وإيران وحزب الله ، ولم تخلُ خطاباته رحمه الله بموقف السعودية ودول الخليج والشعوب الحرة من دعمها ووقوفها بجانب حق الشعب السوري الشقيق في تقرير مصيره وحريته .
وكان لكلمته الأخيرة التي ألقاها في مجلس الشورى السعودي أبلغ الأثر وأصدقه على كل من تابعه وكأنها تُمهد للحظة الوداع الذي كان ينتظرها أمير الدبلوماسية عندما شبّه حالته الصحية بحال أمتنا العربية وكأن لسان حاله يقول ” حال أمتي زادت من أمراضي وأوجاعي ولم يُفلح أي طب في علاجها ” !!
رحم الله من جمع في شخصيته الحزم واللين والغيرة على دينه ووطنه وأمته وشَهِد له الجميع بأمانته وصدقه ودبلوماسيته الرفيعة ، ومن الصعب جداً أن نجد رجلاً بحجم الفيصل وأن يُعوّض غيابه بأحدٍ غيره .
فاصلة أخيرة
عزاؤنا للمملكة العربية السعودية الشقيقة قيادة وحكومة وشعباً ولأنفسنا وللأمتين العربية والإسلامية على فقدان هذه الشخصية الفذة ، ونسأل الله أن يعوضنا رجلاً يمتلك ولو نصف مواصفاته وأن يجعله من أهل جناته ويلهم أهله الصبر والسلوان .
وهنيئاً له هذه الخاتمة الطيبة التي وافته في هذه الأيام العظيمة من العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك .
وإنا لله وإنا إليه راجعون