يتحدث كثيرون عن «الوسطية» دينياً. وتميل حاليا مؤسسات الدولة الى ترويج فكرة الوسطية في الاسلام وغرسها في نفوس الناشئة بديلاً عن التشدد والتطرف اللذين تسيّدا الساحات العامة في العقود الاخيرة.
الإقرار بالوسطية في الاسلام يعني ايضا الاقرار بالتطرف على جانبي هذه الوسطية. اي التساهل او التزمت ايضا. فليس من حق مؤسسة او فرد ان تحدد ما هو الوسط وما هو تفريط، وما هو تزمّت. الاسلام من المفروض ان يكون واحدا والا يخضع مصلحيا لتعريف هذا الطرف او ذاك.
ما نعاني منه حاليا هو هيمنة اسلام اهل «البترودولار» والذين لسوء الحظ أتوا من اكثر المناطق الاسلامية وعورة وقسوة. جغرافيا واجتماعيا يحتلون اقصى درجات الصعوبة والشدة، ويخضعون بقوة للمحافظة بالاضافة الى افتقادهم القسري وسائل ووسائط التجديد والابتكار.
الطبيعة الجغرافية لمواطني «البترودولار» او للعرب عموما، تميزت بانعدام المواد الاولية، وبالتالي غياب المنتجات والمجسدات المادية، مما افسح المجال واسعا، او بالاحرى منفردا لتسلط «الخيال» او الفكر على الموضوع، المثالية على المادية.. النقل على العقل وهنا المشكلة الاساسية في مذهبية «البترودولار».
انعدام المواد الاولية يعني ان الانسان لا يملك ان يحفظ شيئا غير «القول». وفي الامكان ايضا القول انه لا يملك ان يفعل شيئا غير «الحفظ». فلم تتوافر لانسان «البترودولار» المواد الاولية التي يكتب او يخط بها. ولم تتوافر له المواد الاولية لتخليد او تجسيم ما يكتشفه او يختلقه. لم يكن هناك سوى «الرمل». لهذا اضطر الانسان هناك الى تخليد «القول» او الحفظ… او الفكرة بدلا من المادة. المثالية عوضاً عن العلم.
لهذا اختار الانسان العربي بشكل عام ان يتبع اهل «النقل» وان يرفض اهل العقل. علما بان اصحاب العقل دينيا كانوا من اوائل الائمة ومن الاقرب الى رسول الله والى صحابته والى من اتبعهم. اول الائمة، الامام ابو حنيفة، كان متميزا بإعمال «العقل» في المسائل الدينية وتبعه الامام مالك، ومذهبه بالمناسبة هو مذهب البيت المالك، اي عائلة الصباح، ثم جاء المتأخران الإمامان الشافعي وابن جنبل، ليعززا مذهب أهل «النقل» بعد هزيمة المعتزلة وتكفير المفكرين والفلاسفة. وفي العصور الأكثر ظلاما هيمن ابن تيمية وبعده محمد عبدالوهاب.
ومع طفرة «البترودولار» أتت ايضا طفرة اهل «النقل» فهيمنوا على الدين وسيطروا على اهله بقوة المال وبعظمة الثروة النفطية المحصلة اصلا من خارج المنطقة العربية.
المطلوب اليوم ليس وسطية ولا اعتدالا… المطلوب فقط العودة الى المذاهب الاسلامية الحقيقية الاولى… مذهب الامام ابي حنيفة ومذهب الامام مالك… مذهب البيت الحاكم ومذهب أهل «العقل».