تعتبر عملية إدارة مرفق «العلاج في الخارج» محرقة لكل من يديرها، بقدر ما هي مجزية لمن يريد الاستفادة منها، مادياً!
* * *
ليس هناك فرق كبير بين خدمة العلاج بالخارج التي تقدمها الحكومة، وبالذات مع اقتراب العطلة الصيفية، لفئات من المواطنين، وغالباً في مستشفيات أوروبا وأميركا، وبين «خدمة» توزيع الحيازات الزراعية وزرائب الماشية، مجانا، وأيضا على فئة مختارة من المواطنين، فضرر الأمرين اكبر من نفعهما، وغالباً لا تجدي هذه «المنح» في غير شراء ولاء مؤقت، ولا يستحق الاحترام.
لا شك أن هناك من يستوجب الأمر الصرف عليهم، لكي يتلقوا العلاج اللازم في مستشفيات متخصصة واختصاصيين عالميين، وبالذات الذين لا تسمح قدراتهم المالية بالصرف على تلقي العلاج في الخارج. ولكن هدف غالبية الذين يتكالبون على إدارة العلاج في الخارج، هو للحصول على سياحة علاجية مجانية، والدليل ان «مرضاهم» لا يصبحون مرضى، ولا تصبح حالتهم صعبة وتتطلب علاجاً خارجياً، إلا مع قدوم الصيف، أما في الشتاء فلا أحد، كما يبدو، «يود أن يمرض» في جو الكويت الجميل، والحرارة في أوروبا، تحت الصفر!
إن إدارة العلاج مضيعة للمال والجهد، وربما مركز لتنمية الأحقاد والضغائن بين فئات الشعب المختلفة، خصوصا وهم يرون كيف تقبل معاملات البعض، من اصحاب واسطات متنفذين ونواب، وترفض أخرى لمستحقين أمراضهم أكثر خطورة من غيرهم. وعادة لا تجد الحكومة امتنانا ولا شكرا ممن يحصلون على السياحة العلاجية، إما لشعور هؤلاء بأنها من حقهم، ومن صادها عشى عياله! واما لأنهم حصلوا عليها بالواسطة، والفضل لمن قام بالتوسط، وليس للدولة. كما أن من حصلوا، وأهاليهم، على فرصة علاج في الخارج حصلوا عليها بعد أن حفيت أقدامهم، وعانوا الأمرين، ودخلوا في حفلات رجاء وأرجوك ومن فضلك، على مدى عدة أشهر، هذا غير العراك والازدحام اليومي والبهدلة، النفسية والجسدية، وبالتالي فليس هناك من يستحق الشكر منهم!
لقد قلناها، ونكرر قولها، إن هذا الاغداق غير المبرر على المنح والعطايا لا فائدة منه، إلا لمن حصل عليه، فعمره قصير وضرره طويل الأمد، فسرعان ما ينسى «الممنوح» الخدمة المجانية، ويطالب بغيرها، وإن رفض طلبه خرب الدنيا وارتفع صوته بالشكوى!
ولو كانت حكومتنا «رشيدة» بالفعل، وفكرت في ان تستقطع، ولو جزءا صغيرا، مما كان يرصد كل سنة على خدمة العلاج في الخارج، على الأقل في السنوات العشرين الماضية فقط، لكان تجمع لديها اليوم مبلغ يكفي لبناء عشر مستشفيات عالمية بأطباء عالميين، ولكن ما العمل والحمق شعارنا!