هل تشجع الدول والحكومات العربية والإسلامية مواطنيها من الشباب والرجال والنساء والأطفال على الانضمام إلى «داعش» أم أنها تحارب «داعش» بالفعل؟ حسناً، رصدت خمس صور تكاد تكون مرئية لدى الجميع، وقياساً عليها، لننظر: هل تشجع حكومات العرب والمسلمين التحول إلى الإرهاب والتشدد والتكفير والطائفية، وبالتالي تعبيد الطريق أمام التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش»؟ أم هي تفعل ذلك بقصد أو من دون قصد؟ وهل كل الحكومات، بكل أركانها متهمة، أم أن المتهم أطراف وأقطاب في تلك الحكومات وليست كلها؟
الكثير من الباحثين العرب والخليجيين والغربيين، أصدروا تقارير عديدة عن هذا الموضوع. ومن بينها تقارير «ويكيليكس»، حيث أشار جوليان آسانغ في الكثير منها، إلى وجود أقطاب ومسئولين ووزراء ومشايخ دين ونواب ومحافظين وضباط في المخابرات والجيش والأمن من مختلف الدول العربية والإسلامية، متورطين في التعاون مع التنظيم الإرهابي نظير مبالغ كبيرة للغاية، لا يمكن أن يحصلوا عليها بالحلال، وبعرق جبينهم، فيتجهون إلى حلب اللبن الحرام وشربه. ولننظر إلى بضع صور توضح لنا، هل الطريق نحو «التدعش»، متاح والبيئة خصبة رحبة؟
الصورة الأولى: في المجتمعات العربية والإسلامية، أصبح من الطبيعي مشاهدة المسيرات والإعتصامات الاحتجاجية والمظاهرات المطالبة بالحقوق السياسية والمعيشية، وفي كثير من تلك البلدان أعطت الدساتير الحق للشعب في أن يتظاهر بالطرق السلمية ويطرح ما يشاء من مطالب محقة عادلة، وهنا تحدث مواجهات تتحوّل إلى عنف بين المشاركين في تلك المظاهرات والاعتصامات من أبناء الشعب، ولا سيما فئة الشباب من الجنسين، وبين قوات الأمن وعناصرها، ويحدث أن تشهد ساحة المواجهات إحراق الإطارات ورمي المولوتوفات والتعدي على الممتلكات العامة والخاصة، ووفقاً للقانون، فمن يقع في قبضة الأمن، يلزم أن يحصل على محاكمة عادلة، وينال عقابه. تمام، ماشي الحال، لكن بالمقابل، تجد أعلام «داعش» ترتفع في مسيرات مهما صغر أو كبر حجمها، في مدن ومناطق عربية عديدة. ويحمل المشاركون فيها الأعلام السوداء وبعض الأسلحة، ويرتدي البعض أحزمة ناسفة، ومع ذلك حين يتم القبض على هؤلاء، تتم مناصحتهم واللين معهم وتوجيههم وإرشادهم وإزالة الغمامة عن عيونهم. وهذا أمرٌ لا يناسب الفئة الأولى، التايرات والمولوتوفات، فهذه الفئة لا تستحق إلا الضرب بيد من حديد، فلا يصلح لها المناصحة ولا المراعاة ولا التوجيه. إنه ميزان مختل بالفعل، ودوافعه طائفية بغيضة كما هو واضح.
الصورة الثانية: في لحظة، يتم إصدار القرار بملاحقة مغرد عربي أو مسلم، ويلقى مدوّنٌ هنا الويل والثبور وأشد الشرور، ويسقط كاتب أو إعلامي في قبضة «العدالة» الشديدة حين ينتقد هذه الحكومة أو تلك، أو لربما أودعته تغريدة بأقل من 140 حرفاً إلى وراء القضبان لأنه انتقد وزيراً أو مسئولاً أو ابن مسئول أو لربما انتقد بطرافة وفكاهة، كلبة المسئول أو حمارته!
أما حين ينهق أتباع المنهج التكفيري والطائفي والتحريضي فوق المنابر وفي صلوات الجمعة وفي كل محفل باسم الدين، ويتجاوزون حدود الحدود في التأليب والتأجيج وشحن العداوة والتناحر والبغضاء، ويدعون إلى سفك الدماء وحمل السلاح وتدمير الوطن، فهؤلاء لهم حصانة من نوع غير. هؤلاء يجب أن تقرص الحكومات إذنهم رويداً رويداً، من أجل ذر الرماد في العيون، ثم ما يلبثون أن يرتقوا ويحصلوا على المكافأة والتكريم والاعتزاز. أليس هذا حاصل يا جماعة الخير في كل الدول العربية والإسلامية؟
الصورة الثالثة: رجل مختل عقلياً، ينحر ابنته ويتورط في قضايا كثيرة مضادة للمجتمع بسبب مرضه وسقوط أخلاقه. يودع في السجن لسنين قليلة، ثم يُفرج عنه ليصبح خطيباً أو إماماً أو معلماً للدين والأخلاق والمثل والقيم في أحد الجوامع أو المدارس الدينية. هل هناك معلم للتدعشن أفضل من هذا؟ هل يقتصر التأهيل على حفظ القرآن الكريم ومئات الأحاديث النبوية وترديدها؟ أليس هناك فئة من حفظة وقراء القرآن، والقرآن يلعنهم؟
الصورة الرابعة: قد يتعرض مواطن عربي إلى أشد أنواع العقاب لأنه كتب على زجاج سيارته عبارة أو كلمة لطيفة أو طرفة أو آية قرآنية مباركة أو تشكيلات «الصلاة على الرسول (ص)»، أو لربما وضع علم فريق رياضي يحبه أو رمز معين يماشي تفكيره، فهذا يجب أن ينال جزاءه. أما من يضع أعلام «داعش» فهو مسكين، فهو لا يعرف ماذا لصق على سيارته، كالحمار يحمل أسفاراً.
الصورة الخامسة: تشتد الفزعة في الأزمات والشدائد والمجازر التي تزهق فيها أرواح الأبرياء، في المساجد والأسواق وغيرها، وترتفع أصوات الوحدة والتآخي بين السنة والشيعة وبين كل الأديان والطوائف، ويشتغل الإعلام (حسب الطلب) لدعم تلك الأصوات، لكن، تبقى الكثير من المناهج الدراسية في الخليج والوطن العربي والإسلامي مليئة بحشو التكفير والطائفية، وتبقى الكثير من أفواه الخطباء ومشايخ (الطين) العفنة، مفتوحة في الفضائيات وفي الخطابة وفي الإعلام.
«داعش» له حاضنة، وحاضنة كبيرة، وأكبر حواضنها… الدول العربية والإسلامية.