تحل بعد أيام ذكرى مرور 110 سنوات على وفاة المصلح محمد عبده، الفقية المصري الذي ساهم مع جمال الدين الأفغاني في إنشاء حركة فكرية مجددة في أواخر القرن 19، بهدف القضاء على ما لحق بالمسلمين من جمود، وإعادة إحياء الأمة لتواكب العصر الحديث.
شارك عبده في ثورة أحمد عرابي، وبعد فشلها، سجن، ثم نفاه الإنكليز إلى بيروت، ومنها سافر إلى باريس ليلتقي هناك بالأفغاني سنة 1884، وليؤسسا جمعية وجريدة «العروة الوثقى».
عفا الخديوي والإنكليز عنه، وعاد الى وطنه من المنفى وعمل في القضاء وأصبح مستشاراً في الاستئناف عام 1891، قبل أن يعين مفتياً للديار المصرية، وبقي في منصبه إلى وفاته بعدها بست سنوات.
سعى عبده جاهداً لتحرير العقل العربي الإسلامي من الجمود الذي أصابه على مدى قرون، وحاول دفع الأمة لمواكبة تطورات العصر العلمية السريعة، ولكن جهوده لم تلق ما تستحق من تشجيع.
يعتبر محمد عبده إماماً مجدداً سابقاً لعصره بكثير، وهو من أبرز من دعوا إلى إصلاح الفكر الديني وإعمال العقل من جديد. ودعا إلى إلغاء التحريم المفروض على تدريس الفلسفة وطالب بفهمها. كما نادى بتحكيم العقل وفتح باب الاجتهاد من جديد. كما طالب بالإقرار بحقّ الفرد في أن ينظر في النصوص المؤسّ.سة للإسلام «بدون توسيط أحد من سلف أو خلف». ولقد ذهب بعيداً في محاولاته الإصلاحية، حيث أصدر فتاوى بتحليل الفوائد المصرفية وإباحة اللباس الافرنجي للمسلمين وندّد بتعدّد الزوجات، كما أنّه طالب بحرية المعتقد الديني لدرجة أنّه أتاح للفرد حرية اختيار عقيدته انطلاقاً من قاعدة: «من شاء أن يدخل في الإسلام فليفعلْ، ومن شاء أن يخرجَ منه فله ذلك». غير أنّ دعواته الإصلاحيّة هذه ذهبت في النهاية أدراج الرياح.
وهكذا، وبعد مرور قرن من الزّمان على تلك الدعوات الإصلاحية المتجدّدة، نجد أننا لا نزال ندور في نفس الفراغ الفكري، وبالتالي نحن اليوم، مع كل هذا التطرف الذي يلف الأمة من مغربها وحتى دول آسيا الإسلامية، بحاجة ماسة الى وجود مصلح بمثل وزنه ورجاحة عقلة وانفتاحه على متطلبات العصر، إلا أن الأمر يبدو كسراب، فمن هو، ولأي مذهب ينتمي؟ ومن سينصت له، وهل نحن على استعداد لسماع صوت العقل، في خضم كل هذا الجنون الطائفي؟ وهل سيبقى حياً، أم ستتسابق أكثر من جهة للتخلص منه؟
ملاحظة: يقال إن أحدهم سأل قائداً في داعش عن مدى احتمال دخولهم في حرب مع إسرائيل، فرد قائلاً: إنهم سيقومون بذلك فور اعتناق اليهود للإسلام!