في السابق كانت نيجيريا تصدر المنتجات الزراعية، فالأمطار وفيرة في ذلك البلد، وكان منتجاً للخيرات، الآن تكاد نيجيريا تستورد كل شيء في زمن الثروة النفطية، هذا ما يسمى “لعنة الثروة”، اللعنة هنا تعني أن تنتج الدولة الثروة الطبيعية مثل النفط، لكن لا توجد المؤسسات الضامنة لحسن استغلالها لمصلحة الشعب، ريع النفط يدخل جيب الحكم قبل أن يضخ للميزانية العامة، ويبدأ توزيع الريع حسب الحلقات التي تدور في فلك النظام الحاكم، السلطة مشكلة من “عرابين” (جمع عراب) مافيات تبتلع الثروة، وتنشر الفساد والظلم، ودائماً يعد الجهاز الأمني مرتعاً لذلك الفساد، “الموتورسيكلات” هي تاكسي لكثير من مناطق نيجيريا، وحتى يثرى رجال البوليس فرضت الشرطة لبس الخوذات على قائدي التاكسي الموتورسيكل وزبائنهم، ليس لسلامتهم وإنما لابتزازهم، فإما المخالفة المالية لعدم لبس الخوذة أو دفع “المعلوم” للشرطة، وهكذا ابتدأت بذور “بوكو حرام” تنمو كرد فعل وانتقام من الجهاز الأمني.
كلمات مثل “كلبتوكراسي Kleptocracy”، أي القلة الحاكمة المستحوذة على ثروة الدولة، و”siphon سيفون”، أي دلق الماء لتنظيف مخلفات الإنسان، تتكرر في كتاب “سارة تشيس” عن سراق الدولة، تلك المجموعات النافذة التي تنهب الثروة الطبيعية كونها تحكم وتسود، ثم تقوم “بتنظيف” مخلفاتها بقوانين ولوائح مفصلة على مقاسها، وتنبه الكاتبة أنه بعد رواج مبدأ “تخصيص” المؤسسات العامة حسب وصفات صندوق النقد الدولي، لم تنتقل خدمات وخيرات التخصيص للناس كما يفترض، وإنما ذهبت موارد الدولة مباشرة للقلة المافوية حين فرضت نفسها كوارث طبيعية لثروة البلاد، مثل ذلك التخصيص الكارثي في نيجيريا حدث في مصر بعد قوانين الانفتاح عام 74 بمصر، ونجد مثله في دول الحكومات “العرابية”، في تونس قبل الثورة، في أفغانستان اليوم، وفي أوزبكستان وفي عدة دول نامية ابتليت بتلك المافيات.
الفساد ليس قاصراً على السياسيين، وإنما يتمدد للجهاز الإداري العام، فجرائم الرشا واستغلال النفوذ والمحسوبية وكثير من شاكلتها نعرفها في كثير من تلك الدول وشربنا من كأسها المر، هنا تحبط الشعوب، ولا تجد غير الوصفة الدينية كمنقذ، فتطبيق الشريعة يعني قطع يد الحرامي، والدين يحرم النهب ويضع معايير سامية للقيم الأخلاقية، وليس لمثل الشعوب العربية والإسلامية بوعيها الحضاري غير الرجوع للحضن الديني لإنقاذها من بلاء الحكام ودوائر المافيا… فهل هذه ظاهرة قاصرة على شعوبنا العربية والإسلامية، أم أن أوروبا مرت بمثل تجاربنا قبل عقود طويلة وكان فساد الملوك ودوائر الحكم وراء قيام حركات الإصلاح الديني هناك؟ الإجابة نعم، وتلك قصة أخرى… لكن دعونا نتفق الآن على أن الفساد المالي هو وصفة التطرف والتمرد والثورات التي نشهدها اليوم، وما بين الثورة والانقلاب عليها من جماعات الفساد القديمة وعودتها للحكم تحيا هذه الأمة في أحلك وأتعس أيامها.