دعوات المصالحة الوطنية في أعقاب العملية الإرهابية التي طالت مسجد الإمام الصادق عليه السلام مهمة جداً، ويجب أن تتصدر أولويات الجميع على مستوى السلطة والشعب بكل مكوناته والقوى السياسية الناشطة، ومختلف مؤسسات القرار، وعلى الرغم من الغطاء الطائفي البغيض الذي حاول تنظيم “داعش” التسلل منه في ضرب الكويت، فإن تصريحات “داعش” وبياناته وممارساته واضحة كالشمس في استهداف دولة الكويت بنظامها السياسي وجبهتها الداخلية، والأمر لا يحتاج إلى التحليل والتشخيص عندما يعلن “داعش” أن عاصمة ولاية نجد المزعومة هي الكويت.
لم يجرؤ هذا التنظيم الإرهابي في استهداف مسجد للشيعة في الكويت لولا حالة الاحتقان المذهبي واستمرار النفخ فيه بقصد أو بدون قصد، لمآرب سياسية أو لمعتقدات دينية مريضة، أو لخلخلة معادلات المصالح الضيقة، ولهذا تتعمد مثل هذه البؤر الشيطانية استغلال الطائفية في دول الخليج في سياق غبي ومكشوف، إذ إن جرائم “داعش” ومثيلاته لم تستثن السنّة العرب والأفارقة والآسيويين في امتدادها الجغرافي والعسكري.
قد تكون لدينا مشاكل تراكمت في تعقيداتها، واستغلت حالة التفكك السياسي والاجتماعي للاستئثار بالقوة والنفوذ والمصالح، وتفاقمت بؤر الفساد بكل أنواعها، وحجبت الحريات السياسية ومنع نقد السلطة، وهذه ملفات بحاجة إلى مواجهة مسؤولة تتحلى بروح وطنية صادقة ومخلصة، ولذا نحتاج لكل أشكال المصالحة ومنها الحكومة والشعب والمكونات الشعبية والسياسية عامة، بل من الغباء المركّب والملعون ألا يستشعر الجميع أن البلد كله بات مهدداً ومستهدفاً تحت عنوان واحد وموّحد هو الإرهاب بثوبه الديني المزيّف، وطبيعتنا الديموغرافية والجغرافية أثبتت أن الحالة الكويتية واحدة لا تتجزأ، خصوصاً في الملمات والأحزان فما بالك بإرهاب منظم يهدد العالم برمته؟!
لذلك هناك أولويات حتى في مفهوم المصالحة، وعلى رأسها وجود جبهة وطنية جامعة ومانعة تعمل من أجل الكويت فقط، جبهة جامعة في مكوناتها السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية، وتضم الكويتيين بكل انتماءاتهم، ومانعة لبذور الشر والفتن والتعصب والمذهبية والفئوية، وتستبعد رموز التحريض والأجندات الحزبية والفكرية المتطرفة مهما كانت أسماؤهم ومواقعهم، وتستقطب من يملك الجرأة والشهامة في التصدي لأقرب المقربين من الإقصائيين والمرضى الذين لا يستطيعون أن يعيشوا في ظل الوجود المشترك والتعايش السلمي، ولا يمكنهم أن يتحرروا من فكرهم المعقد وعقائدهم البالية، وأمثال هؤلاء لا مكان لهم على الإطلاق في جبهة تواجه الإرهاب والتطرف واستباحة الدماء البريئة، ويجب ألا توهمنا الشعارات السياسية والمطالبات الإصلاحية التي قد يرفعها هؤلاء من فترة لأخرى.
الجبهة الوطنية الجامعة والمانعة تملك رصيداً شعبياً واسعاً لكنه مشتت ومرتبك، ولكن إذا ما استطاعت أن تعلن ذاتها وثقتها بنفسها فبالتأكيد سيباركها المجتمع الكويتي، ويستشعر أنه يمثله، ويستحق أن يقود المصالحة السياسية، كما يستطيع أن يوجه مطالبات الإصلاح، وهذا المقترح ليس بجديد، وقد تم تداوله وطرحه منذ سنوات، لكن دون آذان صاغية، ولكن دماء شهدائنا واستهداف بلدنا يفرضان على الجميع الالتفاف حوله من جديد وبمسؤولية توازي حجم التحدي ومقدار فداحة الخسارة الجماعية لا سمح الله!