تتميز الكويت، مقارنة بغيرها من الدول المماثلة لها، بقوة علاقة القيادة بالشعب. ولم تكن العلاقة على وتيرة واحدة، وبنفس القوة دائما، بل مرت ظروف اثرت فيها سلبا وإيجابا، ولكنها كانت بشكل عام متينة، ومرضية للطرفين، طالما عرف كل طرف حدوده الدستورية! ونتمنى أن تستمر هذه العلاقة ويترسخ هذا الاحترام.
***
يعتمد أمن الكويت على ثلاث جهات، الجيش والحرس الوطني والشرطة. والأخيرة معنية اكثر من غيرها بأمن الكويت الداخلي، والأهم منها كلها قوة الجبهة الداخلية. فكلما كانت هذه الجبهة قوية ومتماسكة، كان الأمن اكثر استتابة، ولكن!
وعلى الرغم من وجود عدد كبير من القيادات الجيدة في الشرطة والأمن العام، الذين يستحقون كامل احترامنا وتقديرنا لما يتميزون به من اخلاص وما يمتلكونه من مهارات نادرة مدعومة بسيرة حسنة وخبرة طويلة، فإن الظروف الأمنية أصبحت اليوم أكثر تعقيدا، وتحتم بالتالي تغيير استراتيجية «الداخلية»، واللجوء الى وسائل أكثر احترافا للسيطرة على الوضع، وجعل الكويت أكثر أمانا.
تم تصدير أول شحنة نفط من الكويت، وبمساعدة أميركية ـ بريطانية كاملة، قبل 70 عاما. وعلى الرغم من مرور كل هذه الفترة لا تزال الكويت تستعين بغير مواطنيها لاستخراج النفط وتكريره وشحنه وبيعه. وليس هناك ما يخجل في هذا الأمر.
كما عرفت الكويت المصارف منذ الاربعينات، ومع هذا لا تزال غالبية البنوك تستعين بالخبرات الأجنبية في أكثر عملياتها تعقيدا وحساسية، وليس هناك من بد في ذلك.
كما عرفت الكويت أول مستشفى حكومي قبل ستين عاما، ومع هذا لا تزال وزارة الصحة تستعين بين الفترة والأخرى بخبرات طبية أجنبية لإجراء آلاف العمليات الجراحية المعقدة سنويا، هذا بخلاف آلاف الأطباء غير الكويتيين العاملين في المجال الطبي، الحكومي والخاص.
وبالتالي ليس عيبا، ولا عارا استعانة وزارة الداخلية بخبرات امنية أجنبية لإصلاح حال الوزارة! فالسجون مخترقة، والمخافر تشكو من سوء أوضاعها، وإدارة التحقيقات والأدلة الجنائية تحتاج الى هزة شديدة، وحتى الدوريات والنقليات تحتاج الى الكثير جدا لتصبح اكثر انضباطية وكفاءة. فالتحديات والمخاطر التي تتعرض لها البلاد اصبحت تتطلب عقلية مختلفة في محاربة الإرهاب والوقاية منه، وتحصين الجبهة الداخلية. فالثغرات الأمنية التي تطرق اليها النائب عبدالله الطريجي في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمة، بعد كل أحداث المنطقة الرهيبة، كانت صادمة، ومع هذا اعتبرها البعض عادية بسبب كم التجاوزات والتسيب في مختلف اجهزة الوزارة، وحاجة الجهاز الأمني للتطوير التقني والبشري ليتمكن من مسايرة الأوضاع الأمنية المستجدة، التي تزداد تعقيدا يوما عن يوم.
إن الاستعانة بخبرات امنية، كأفراد او شركات متخصصة في محاربة الإرهاب ليست بدعة، فقد لجأت الى ذلك دول عربية وخليجية وحتى اوروبية، فليس هناك ما يخجل في الأمر. فكما قبلنا لأنفسنا الاستعانة بخبرات في الجيش والمصارف والبترول والتعليم والصحة وغيرها من المجالات الحيوية والخطيرة، فلا شيء بالتالي يمنع من الاعتراف بالحاجة الى خبرات في مجال الأمن. فالوقاية خير من العلاج بكثير.