التفجير الإرهابي الذي استهدف المصلين الصائمين الآمنين في مسجد الإمام الصادق عليه السلام، مهما كانت مقاصده الدنيئة والآلة اللوجستية والفكرية التي تقف وراءه، يجب أن يستثمر في إعادة مفهوم الدولة ومقتضيات أمنها الداخلي وطبيعة علاقاتها الخارجية، والدماء الزكية التي سالت دون ذنب، ووجدت هذا التلاحم الشعبي والاستشعار الحقيقي لمعاني المصير المشترك بين الكويتيين، يفترض أن يستغل كأرضية انطلاق جديدة لتقديم وعاء وطني حقيقي لأبنائنا في المستقبل، وكل ذلك يتطلب عملية بناء فورية دون تردد أو مجاملة أو حتى حسابات سياسية.
تراكمات الأخطاء الفادحة، بما فيها عقلية الإدارة الحكومية وثقافة العديد من التيارات السياسية خصوصاً الدينية منها، وهشاشة مفاهيم المواطنة تتحمل المسؤولية في ما وصلت إليه مشاكلنا المختلفة، ولو أخذ الجميع العبرة مما حدث بصدق وإخلاص، فإن ترميم هذا الجسد المتكسر يمكن جبره وتصحيح مساره، وإن بقيت بعض جيوب الاستفزاز والتحريض وبث السموم التي عادت سريعاً إلى السطح، ومجالس عزاء أهل الكويت لم تنتهِ بعد.
لكن البعد الخارجي لا يمكن السكوت عنه والتحذير من منزلقاته الخطيرة، خصوصاً في السنوات الأخيرة، فسياسة الكويت الخارجية منذ سنوات الاستقلال كانت قائمة على الحياد الإيجابي والتوازن الإقليمي وكسب الأصدقاء، وإن دفعت من أجل ذلك المبالغ الطائلة، ولكن بمجرد انحراف الدبلوماسية الكويتية عن منهج الاعتدال والتوازن تنهال علينا المصائب الكبرى التي تهدد أمن وسلامة بل بقاء الدولة، وهذا ما حدث بالفعل، بعدما ارتمت سياساتنا الداخلية والخارجية في أحضان نظام صدام حسين، وما آلت إليه من نتائج كارثية انتهت بالغزو والاحتلال، ولولا ظروف انهيار النظام العالمي في بداية التسعينيات لكان الله وحده من يعلم بمجريات القدر في ذلك الوقت.
اليوم تكرر الحكومة الأخطاء ذاتها في تبعيتها الخارجية لأجندات غيرها من الدول والحكومات، وإن كان من بينها أشقاؤنا في مجلس التعاون، ودولة الكويت الصغيرة والمنكشفة سياسياً وعسكرياً، لا يمكن أن تتحمل سياسات فوق طاقتها وأكبر حجماً من قدراتها، فقد دخلنا في معادلة خطيرة تهدف إلى إسقاط أنظمة سياسية وتدمير دول بمن فيها، بدءاً من العراق وسورية وليبيا وانتهاءً باليمن، وهذه الأقاليم تحولت اليوم إلى أوكار للإرهاب والإرهابيين.
تنظيم “داعش” وغيره من الجماعات المسلحة والمستوى المتقدم الذي وصلت إليه في العتاد وتجنيد المرتزقة والسيولة النقدية الهائلة لا يمكن أن يقبله أي تحليل سياسي ومنطق استراتيجي دون دعم مباشر وصريح من بعض الحكومات وأجهزتها الاستخباراتية، وكذلك الإسناد الكبير من قطاعات أهلية وشخصيات سياسية ودينية تحت نظر الحكومات نفسها، بل لا يتوقف الأمر عند حد التحليل السياسي، حيث تتدفق المعلومات عن غرف العمليات التي يديرها كبار المسؤولين في العديد من الدول بالتعاون مع هذه التنظيمات الإرهابية، هذه المعادلات بدورها جذَّرت وعمقت الحالة الطائفية التي نراها اليوم، ومن نتائجها الطبيعية العمليات الإرهابية التي طالت دولاً خليجية ومنها الكويت.
إذا كانت جبهتنا الداخلية بدأت تلتحم وتتوحد ضد الإرهاب، وهذا أمر يستحق الإشادة والدعم اللا محدود ويتطلب ضرب من يسعى إلى اختراقها من جديد بكل قوة وحزم، فإن سياساتنا الخارجية توجب الخروج من حالة التبعية العمياء والعودة إلى استقلاليتها مع دعم المظلة الدبلوماسية الصادقة في ضرب معاقل الإرهاب والتطرف وفق استراتيجية شاملة تشمل فكرها التكفيري ومصادر تحويلها وأماكن تجمعها، بما في ذلك الحكومات المساندة لها، فهل نعتبر من درس النظام العراقي قبل فوات الأوان، على الرغم من أن “الفأس وقعت في الرأس”؟!