هناك دعوات وشعارات اغلبها جادة ومسؤولة تناشد المواطنين على مختلف مشاربهم ومذاهبهم، خصوصا الشيعة والسنة هذه الايام، تناشدهم التكاتف والالتفاف حول بعض. تدعو الى ما يسمى الوحدة الوطنية والى نبذ الانقسام والانشقاق. هذه دعوات مباركة، الله يكثر منها، ان شاء، ويجعلها كلها صدقا حقيقيا ورغبة صادقة في ضرورة التآلف بين قاطني هذا البلد.
لكنها مع الاسف سوف تبقى مجرد دعوات وشعارات فارغة ان لم يصاحبها او تصدر اصلا عن قناعة باحترام الغير وتفهم انساني وديموقراطي لحقوق الآخرين. اي الالتزام التام بمبدأ التعايش السلمي والايمان بالتعددية وحق الاختلاف. ان لم نقتنع اولا ونقر باحترام التعددية ونربي من حولنا عليها فان مصير العلاقة مع الآخرين والسلام بين الطوائف والفئات سيبقى مرهونا للصدف وفي الغالب ضحية للمفاجآت وسوء الفهم واخطاء التفسير.
الرغبة في التميز عن الغير، والاصرار على التعالي على الآخرين، لا شك سيئة وامر يجب تجنبه. لكنها في النهاية ليست شرا مطلقا او هاجسا يجب الالتفات والتصدي له. ليست هناك مشكلة حقيقية في التعدد والاختلاف، فهو اصلا سُنة الكون. المشكلة الاساسية هي في «فرض» الأنا على الآخرين او الرغبة في صبغ كل ما هو موجود بصبغة واحدة.
حتى هذه، على جسامتها وخطورتها، ليست مشكلتنا الحالية. فما نعاني منه هو إصرار البعض على فرض رؤاه ومعتقداته الخاصة على الآخرين واتخاذ الآخرين طريقا او وسيلة للتقرب الى الله… وهنا الخطورة وهنا العلة التي يمثلها الفكر الاسلامي السلفي الذي هيمن على الناس وتبنته الحكومات في الآونة الاخيرة.
مشكلتنا ان «السلفي»، سواء كان وديعا ومسالما او غاضبا متفجرا، يرى ان مثواه النار. وان عليه ان شاء تجنبها ان يستغفر ويكفر عن سيئات لم يرتكبها اصلا، لعل وعسى ان يغفر له الله ويكون من المرضي عنهم يوم القيامة. لكن في تحقيق ذلك، ليس مطلوبا ولا حتى مفروضا عليه ان يبدأ بنفسه. فالتعبد والتنسك اصلا مرفوضان وفق مفاهيمه. لكن عليه مسؤولية وواجب «فرض» ليس شرع الله، بل ما يعتقد هو وبقية المتطرفين انه سنة رسول الله على الآخرين.
هنا يستخدم هذا الارهابي الآخرين «قرابين» يتقرب في تفجيرها او تعذيبها الى ربه. وهنا لب المشكلة.