لا شك في أن تنظيم السلطة القضائية في الكويت كان ولا يزال قاصراً، فعدم تمتع السلطة القضائية بالاستقلال المالي والإداري الكامل عن السلطة التنفيذية لا يتفق ومبادئ الدستور التي منحت هذه السلطة استقلالاً كاملا بكل ضماناته، وعلى الرغم من التعديلات التي تمت على قانون تنظيم القضاء منذ عام 1990 ثم 1992 ثم 1996 وأخيرا عام 2001، فإن كل التعديلات المذكورة لم تمنح القضاء استقلاليته المالية والإدارية، وبما يفك الارتباط بين هذه السلطة، والسلطة التنفيذية بشكل عام، وبوزير العدل على وجه الخصوص.
وعليه، فإن استقلال القضاء هو قوام الدولة القانونية، ولا يستقيم مرفق العدالة من دون أن يكون قضاؤه مستقلا، وتتوافر للقضاة فيه كل أسباب وضمانات الحيدة، وتتلاشى القيود التي تمكن سلطة أخرى من الهيمنة عليه أو التحكم في شؤونه المالية أو الإدارية أو الفنية، وهناك ثلاثة أبعاد لضمان استقلالية القضاء وحياده، وتخلف أي منها يفقد القضاء قدرته على العمل بكل حرية وتجرد وحيدة واستقلالية.
أما البعد الأول، فهو وجود نصوص وأحكام في الدستور ذاته تقرر كفالة استقلالية القضاء وتمنحه المنزلة نفسها التي تجعله سلطة كاملة تتماثل مع بقية السلطات في مكانتها اختصاصاتها النظيرة، وذلك هو جوهر فكرة فصل السلطات، فهي مستقلة بعضها عن بعض، متماثلة بالمنزلة والإمكانات، ولا بد من أن يمتد ذلك لتماثل موقع رئيس السلطة القضائية وأعضائها مع غيرها من السلطات، وأخيراً أن تتقرر في الدستور مبادئ وإجراءات المحاكمة العادلة وضماناتها.
أما البعد الثاني، فإنه يتمثل في تحقيق إقصاء أي سلطة أخرى من التدخل أو الهيمنة أو التحكم في أي شأن يتعلق بإدارة شؤون السلطة القضائية، ومن هنا ندرك إلحاح الاستقلال المالي والإداري والفني للسلطة القضائية الذي يعني تمكين وإفراد السلطة القضائية وحدها بإدارة كل شؤونها، بعيداً عن أي اختصاص عليها من قبل السلطتين الأخريين أو احداهما.
أما البعد الثالث، فهو ضمانات الاستقلال والرقابة الذاتية داخل السلطة القضائية نفسها، ونوجز في ما يلي هذه الضمانات، فصل رئاسات السلطة القضائية التي يجمعها في الوقت الراهن شخص واحد، فرئيس القضاء يجب أن يكون شخصاً يختلف عن رئيس محكمة التمييز، وكذلك شخص رئيس المحكمة الدستورية ينبغي أن يكون شخصا ثالثا يختلف عن الشخصين السابقين، وأن تصبح رئاسات المحاكم وما يماثلها مؤقتة بمدد زمنية لا تتجاوز خمس سنوات وغير قابلة للتجديد لضمان تدوير المناصب القضائية، وهو ما يعزز النزاهة والحيدة القضائية، كما يبين القانون المقارن، تصحيح مفهوم الحصانة القضائية التي لا تعني إطلاقا تنزيه القضاة عن المساءلة أو عدم خضوعهم لقواعد القانون الأخرى، مثل خضوعهم لنظام الغرامات والمخالفات التي تفرضها القوانين، وهذا خلاف للفهم الخاطئ لدى البعض، وأخيرا مخاصمة القضاة، لكونه نظاما عالميا ومطبقا بالقوانين المقارنة بما يبعد القضاة عن التعريض السياسي بهم أو نقدهم نتيجة غياب نظام مخاصمتهم. وهكذا، فإن الاقتراح بقانون المقدم من بعض أعضاء مجلس الأمة يجب أن يراعي تلك الأبعاد ليتحقق استقلال القضاء.
اللهم إني بلّغت.