بعد جريمة مسجد الإمام الصادق، هل سنتعلم الدرس أم سنفعل كما فعلنا بعد الغزو، ونعيد إنتاج خطاب الكراهية؟
الظروف الإقليمية الحالية أكثر تعقيداً والبنية التحتية لمؤسسات الكراهية أكثر تجذراً، فهل سنتمكن هذه المرة من استعادة مجتمعنا المختطف؟ وهل سنتمكن من البدء في بناء مجتمع متوازن، منفتح، مرتكز على قيم العدالة والتسامح، والمساواة، والحرية وسيادة القانون، وقبل هذا وذاك كرامة الإنسان؟
تحل علينا بعد شهر الذكرى الـ25 للغزو، ومع اختلاف التفاصيل، فإن في ملامح الجريمة الإرهابية الأخيرة طعم ولون ورائحة الغزو. فقد عشت الحدثين وأستطيع استشعار التشابه بينهما.
كنا حينها في حالة احتقان طائفي حاد، في ظل انفراد كامل بالسلطة، على خلفية حرب مستعرة، تعرضت فيها الكويت لأعمال إرهابية من كل نوع، من تفجير سفارات، إلى خطف طائرات، إلى تفجير مقاه شعبية، ثم محاولة اغتيال أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد رحمه الله.
ما جرى خلال الغزو من تماسك وتفان وتضحيات ووحدة وطنية كان مذهلاً بكل المقاييس، فتفاءلنا بما هو قادم، كنا نرى بلاداً جديدة قادمة، ودرساً قد تعلمناه، ولكنها انتهت إلى أسوأ مما كنا عليه. كان الاحتقان حينها طائفياً فقط، فأصبح اليوم فئوياً، ومناطقياً، وعرقياً عززه فساد مستشر بلا حدود.
انتشر خطاب الكراهية كالنار في الهشيم، يردده أفراد تتبناهم أقطاب حكومية، وكثير ممن هم ضد الحكومة سواء بسواء، حتى صار الحديث الكريه التكفيري قاعدة وليس استثناء، وصار من يدعو إلى التوازن من أمثالنا سذجاً وبسطاء، واندفعت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى محطات مدفوعة الأجر بنفس الاتجاه. كان المجتمع يسير كعربة يشدها حصانان في اتجاهين معاكسين بل في اتجاهات متعاكسة.
هكذا فشلت الحكومات المتعاقبة منذ الغزو حتى الآن في إعادة التوازن للمجتمع، وجعلت من المجتمع مسرحاً لجريمة دون دماء. كان عدونا أثناء الغزو واضحاً، أما في ما تلا ذلك فلم نكن نعرف حقاً من هو العدو، تبدلت الأشكال وتلونت كالحرباء، وتلاعبت الوجوه المندفعة نحو السلطة دون حياء لتدمر الوطن دون تردد.
في هذا الإطار جاءنا الإرهابي القادم من الجنوب هذه المرة، في محيط ليس بغريب عليه، فالأجواء محتقنة، ومن يفترض فيهم أن يكونوا علماء ومعلمين ومفكرين صاروا هم قادة الكراهية، وصارت الحكومة جزءاً من حفلة زار كراهية.
والآن ربما تكون تلك الجريمة قد أيقظتنا من غفوتنا، وجعلتنا نزيل شيئاً من غبار اكتسى وجوهنا، وغمرها بالدم. وربما كانت صحوة مشابهة لتلك التي حدثت أيام الغزو، وربما أنها جرتنا من آذاننا لكي ننظر لوجوهنا في المرآة، لنكتشف إلى أي درجة صارت غير وجوهنا التي نعرفها.
أقول بعد كل هذا، مازال لدينا أمل في بداية جديدة، فليس لدينا خيار غير ذلك، فإما الحياة معاً، في دولة تظللها سيادة القانون والمساواة والعدالة، والأمن القائم على كرامة الإنسان وحريته وسعادته وإما الفناء، فالخيار واضح.
وربما تكون المبادرة المتميزة التي قام بها سمو الأمير نقطة ارتكاز، سواء ببعدها الرمزي أو العملياتي، وأقول ربما، لأن “الشق عود”، ومؤسسات الهدم والتدمير أقوى بكثير مما نتصور. وكل ما أخشاه أنه حالما ننتهي من ترميم جامع الإمام الصادق، قد نعود مجدداً إلى الانزواء في هوياتنا الفرعية القميئة الكارهة لما عداها.
الشعوب لا تتكرر لها فرص تاريخية لإعادة بناء ذاتها، ونحن تتكرر لنا فنتفنن في إضاعتها، وكأن لدينا رغبة جامحة في انتحار بطيء، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وللحديث بقية.