تسود معظم دول العالم المتخلف ظاهرة الفساد والمحسوبية وتخطي القوانين والولاءات الجانبية بسبب فقدان الثقة بين السلطة والمواطنين، المواطن يعي تماما أنه لا توجد دولة قانون وان ما يعتقد بانه من حقوقه يضيع اذا حاول ان يلتزم بالاجراءات والتعاليم العادية والسلطة ممثلة بجهازها البيروقراطي تفترض بان المواطن غشاش وكاذب وغير ملتزم حتى يثبت العكس.
هذه الظاهرة العالم ثالثية خلقت جوا عاما موبوء بالشك والريبة وعدم الثقة بالاخرين.
نحن في الكويت نعيش هذا الواقع المريض بشكل يومي في أي معاملة أو اجراء مع البيروقراطية الحكومية، المصيبة ان الطرفين الحكومة والمواطنين لهما وجهة نظر سليمة، فالمواطن في كثير من الاحيان يلجأ للغش والمحسوبية وشراء الشهادات المزورة واللجوء للنواب لتمرير معاملاته غير القانونية مثل التقدم بقرض الزواج وعلاوة الاولاد أو الاسكان وحتى شراء الشهادات الجامعية المضروبة لتخطي القوانين والتسلق الاجتماعي والوجاهة بأسرع وقت ممكن حتى وصل الامر بالبعض الى تزوير شهادة الجنسية والنسب وشهادات الميلاد وغيرها، الموظف الحكومي مطلوب منه التأكد ان المعاملات سليمة وليست مزورة أو مغشوشة لذلك يتشدد في الاجراءات المعقدة لان النظام لم يضع طرقا ووسائل سليمة لمنع الغش والتلاعب بالاجراءات والقوانين.
ما دفعني لكتابة هذه المقدمة هو التجربة الشخصية لولدنا يوسف، فرغم حقيقة انه خريج مدرسة البيان ثنائية اللغة بتفوق عام 1990 لكن حظه التعيس ان الغزو الغاشم حدث قبل تسلمه شهادته الثانوية وكنا وقتها في اجازة في سويسرا، دفعتني الظروف للاتصال بالاخ الدكتور علي الطراح وكان وقتها الملحق الثقافي في واشنطن ونصحني بان ابعث الولد له الى واشنطن وعند وصوله تم ترتيب دخوله لجامعة تمهيدية لمدة سنتين في ولاية فرجينيا Junior College للتأكد من مستواه العلمي وقد حقق النجاح بتفوق، وفي اثناء دراسته طلب منه التطوع مع الجيش الامريكي للحصول على البعثة الدراسية.. وبعد تحرير الكويت عاد لتكملة دراسته الجامعية وقد تم قبوله في جامعة جورج تاون وهي من ارقى الجامعات الامريكية في واشنطن العاصمة.
وبعد تخرجه وعمله في الكويت عاد للدراسة للحصول على شهادة عليا من جامعة هارفارد العريقة ونال منها درجة الماجستير في ادارة الاعمال.
مشكلة يوسف بدأت بعد تخرجه من هارفارد وعمله لمدة 15 عاما في القطاع الخاص، الآن يحتاج الى معادلة شهادته بطلب من المجلس الاعلى للتخطيط لانه عضو فيه.
بدأت اجراءات معادلة شهاداته الجامعية في 18 سبتمبر 2012 بمراسلة المكتب الثقافي بواشنطن في هذا التاريخ والآن ونحن بتاريخ 25 ابريل 2015.. أي بعد مرور ثلاث سنوات تقريبا لم يتسلم معادلة شهادته فالاجراءات طويلة ومعقدة وعقيمة وغير عقلانية.
ففي البداية عندما تقدم بطلبه الى وزارة التعليم العالي قدموا له لائحة طويلة من الطلبات غير المعقولة منها مثلا نسخة اصلية من الشهادة الجامعية وعندما اخبرهم بأن الشهادة معه ويستطيعون تصويرها طلبوا منه ان يراسل جامعة هارفارد ويطلب منها الشهادة الاصلية تبعث للمحلق الثقافي في واشنطن.
وللموضوع بقية..
One thought on “عقلية الريبة والشك (1 – 2)”