الذين يعتقدون بإيمان راسخ أنهم يتميزون عن غيرهم، وأنهم أفضل من بقية المواطنين، بسبب أوضاعهم الاجتماعية الطبقية، أو لأنهم، من باب النفاق والرياء، أو ربما من أبواب الجهل الواسعة، متميزون أصلاً وفصلاً وثراء، على هؤلاء أن يخففوا من جرعات مزايداتهم بتأييد وتمجيد أعمال السلطة الحاكمة حين تنحرف في سلوكها وتضرب عرض الحائط بحقوق الإنسان وحرياته، مثلما صنعت مؤخراً مع “المواطن”، وأشدد على كلمة “المواطن”، سعد العجمي بسحب جنسيته ثم نفيه خارج البلاد وحرمانه من فرصة أن يقول كلمة وداع واحدة لأطفاله، الذين أضحوا الآن بلا هوية ولا وجود إنساني، تلك الجماعات من فرق “الطقاقات” لحفلات الأعراس الرسمية حين تحتفي إعلامياً بسحب جنسية مواطن أو حبسه لممارسته حقه بالتعبير عن رأيه، وحين تعلن السلطة الحاكمة عن نيات “دراكونية” في أعمال العقوبات للوافدين، مثل الإبعاد الفوري لمن يقود سيارة من غير رخصة، لكل هؤلاء الذين شاهدت عوراتهم الإنسانية بوسائل الاتصال الإعلامية عليهم بأضعف الإيمان أن يصمتوا ولو لفترة بسيطة، فالوطن لا يتحمل سخافاتهم ولا مزايداتهم، والسلطة، هذه الأيام، بحاجة لمن يقدم لها النصيحة الصادقة وبصوت عال، وإن وضعت أصبعيها في أذنيها، وليست بحاجة لمهرجين مزايدين كشفوا، بكل وقاحة، عن عنصريتهم المتأصلة، وأنهم في حقيقتهم “زومبي” أي أجساد بلا روح.
حين يتحدث هؤلاء عن أن سعد قد سحبت جنسيته بتهمة الإساءة للذات الأميرية، عليهم أن يتذكروا أنه لا توجد عقوبة سحب الجنسية ولا النفي خارج الوطن لهذه التهمة، وأن القضاء لم يستنفد ولايته بالنظر في الاتهام الموجه لسعد العجمي… وأين الاتهامات الصحيحة لأحمد الجبر أو عبدالله البرغش وعائلاتهم وغيرهم من الذين تم رميهم خارج حدود الانتماء لهذا الوطن؟ أي قانون وأي شرعية يتشدق بها اليوم دعاة المواطنة المثلى في واقعنا المخجل اليوم؟
هؤلاء المتقمصون لشخصية “شانسوا بانزآ”، المرافق الساذج والخادم “لدون كيخوته” فارس طواحين الهواء، أولى بهم أن يدركوا أن قوة الدولة وتحقيق سيادتها وهيبتها كي لا تمس ولا تخترق دول أخرى كبيرة وقوية نسبياً حقوقها السيادية على أرضها وثرواتها تكمن في وحدتها الوطنية وتلاحم أبنائها، هذه الوحدة لا تتحقق بأغان ومهرجانات استعراضية لحفلات وزارة التربية، ولن تكون هذه الوحدة بتدبيج كلمات المديح والإطراء لكبار الشخصيات حين تفتتح أو تعلن عن بعض المشاريع العامة التي ينخر فيها سوس الفساد السياسي، وتلعب فيها المحسوبيات الدور الفاعل، وسرعان ما يظهر فيها رداءة بنائها وعيوبها، وغير تلك من مناسبات الاستعراضات السياسية عبر وسائل الإعلام التي يباشر بطولتها الوزراء “الديلوكس” بغرض إبهار الناس بشخصياتهم المتألقة تحت أضواء الكاميرات، ترافقهم عبارات الشكر والتمجيد يلعلع فيها لسان “أم أحمد العجافة”.
الوحدة الوطنية، وما أكثر ما مضغ هاتين الكلمتين جناب أصحاب المعالي وأهل القرار دون إدراك أصيل واع لمعانيها، هذه الوحدة تتحقق، في مثل ظروف الدولة الكويتية وبخصوصية تاريخها الدستوري الذي ليس له مثيل بدول مجلس التعاون بانفتاح السلطة على شعبها، وتكريس حريات الأفراد بها وضمان حقوقهم وعدم المساس بمواطنتهم والتشكيك بها… بهذا تكمن قوة الدولة الصغيرة مثل الكويت، وعندها قد يعمل لها الغير بعض الحساب السياسي… هل تدرك سلالة أم أحمد العجافة هذه الحقيقة أم ماذا…؟!