أحياناً أتساءل: عماذا يكتب كتّاب الرأي، المختصون في الشأن المحلي، في الدول المحترمة، كنيوزيلندا وأمثالها، في مقالاتهم الأسبوعية أو الشهرية؟ يعني تعال معي نتخيل، لو أنك كاتب عمود في صحيفة نرويجية، على سبيل المثال والخيال، وأردت أن تشير بإصبعك الكريمة إلى خطأ ما، وتطالب بتصحيحه، فأي خطأ ستشير إليه، وأنت تعلم أن المسؤولين هناك يتسابقون على تطوير البلد وتقويم أي اعوجاج يجدونه، وأن تغريدة واحدة في “تويتر”، كتبها مراهق، أو صورة في “فيسبوك”، وضعتها امرأة وهي ترضع طفلها، ستدفع الحكومة، برئيسها، وأعمامه وأخواله وزوج ابنته، إلى إصدار بيان يعتذر فيه عن الخطأ، ويتعهد بالبدء فوراً بتصحيحه… فإلى أي خطأ ستشير؟
“صعبانين علي” كتّاب الأعمدة والزوايا، من غير السياسيين، في الدول المحترمة. أظن أن مقالاتهم لا تتجاوز طرح الأفكار والمقارنات، والهرج الرتيب عن التضخم، والأجور، ومرفق حكومي لون طلائه لا يتناسب مع الذوق العام، وأشياء من هذا القبيل الهزيل… أجزم أنهم محرومون من لذة السخرية من الأوضاع العامة، ولذة اليأس.
يا كبدي عليهم. حياتهم رتيبة. لا أكشن فيها ولا “أمن دولة”، كما يحدث للكتّاب العرب. حياة مملة، لا قضايا فيها ولا محامين ولا كفالات، ولا “هاشتاق الحرية لفلان”، ولا وزارة إعلام تكتب تقارير عنهم، ولا محقق يأخذ أقوالهم: “ما قولك في ما هو منسوب إليك من أنك قلت كذا وكذا؟، وما قولك في اتهام وزارة الإعلام بأنك سعيت بما كتبت إلى تثبيط الروح المعنوية العامة، وبث الأسى في القلوب؟، وما قولك في وفي وفي؟”…
وصلت المثالية في تلك الدول إلى درجة مملة، فبتنا نشفق على زملائنا هناك، ونتمنى لهم قليلاً من الفساد الحكومي، والقمع، والسراديب، والقضايا… لعل الله يفتحها عليهم.