كان مواطناً، و”بشخطة” قلم منهم (أهل القرار)، أصبح غير مواطن، انتقل من خانة المواطنة وحقوقها المدنية المفترضة إلى خانة اللا مواطن، أصبح وافداً، باتهام أنه كان يحمل التبعية السعودية، وبهذا الوضع الوهمي يتخيل المتعالون المتدثرون بالجناسي الكويتية الذين صنفوا أنفسهم بسخرية الطبقية المتعجرفة بالمواطنين الديلوكس، أن مركزه أفضل من غيره الوافدين، فهو من دول مجلس التعاون… فهو عند الواثقين بثبوت وضعهم وجنسياتهم السامية ليس بحاجة إلى ختم إقامة ولا إلى كفيل ولا إلى غيرهما من دول الوحدة المجلسية في غير قضايا الأمن… ليحمد ربه إذن، هو سعودي، بشخطة قلم منهم تم تقفيزه ونقله من الحالة الكويتية إلى الحالة السعودية، ولو لم تدرِ السعودية بتبعيته لها…!
لا تنظروا كيف أصبح وضعه في مركزه المجهول سعودياً كان أم “بدون”، ماذا يمكنه أن يصنع بتاريخه وذكريات طفولته وصداقاته وعلاقاته مع أحبائه؟ ماذا كان يمكنه أن يفعل بمساحة هذا المكان المحفورة بفسحة الزمان في أعماق روحه؟! ما شأن “هم” بكل تلك الإنشائيات؟ فهم يتخيلون أنهم قد تصدقوا عليه، يوماً ما، بهوية المواطنة، منحوه، مع غيره، بركة بطاقة الجنسية، ثم فيما بعد، حين وجدوا أنه تجاوز حدوده، حسب مدونات “هم” وبعشوائيات “هم”، قرروا أن يكون بلا مواطنة، تم دفعه، بعنف القرار المطلق من هذا المكان إلى الجنوب، تم نقله جنوباً نحو المملكة معنوياً، أي بقلب مركزه القانوني، من كويتي إلى سعودي، أو أي وطن “هم” يختارونه وحدهم… هذه سلطة مطلقة لهم ولا تحدها سلطة أخرى حقيقية، وليست ورقية… بالتأكيد يحدثون أنفسهم ويرددون بوعي حانق: “ديرتنا وكيفنا”.
مرة أخرى، لم يرق لهم وضعه الجديد، فهم وإن كانوا قد نقلوه ومزقوا وضعه كمواطن بهوية تتأرجح على كف عفريت، إلا أنه ظل مزعجاً عندهم، في آرائه، في فكره السياسي، في معتقداته الذاتية وحقة البسيط في التعبير عنها، ومثله حسب تصنيفهم يجب ألا يكون له رأي في أي قضية خاصة بنا، “نا” تعنيهم، أبناء البلد، لكن ليس كل هؤلاء الأبناء، بل بعضهم، أهل القرار ومن يدور في حلقاتهم الرفيعة… ومن جديد… قرروا وحكموا بحكم من دون شرعية الحق أنه لا يستحق أن يكون جسدياً هنا… حاصروا مكانه، أغلقوا المنافذ، رصوا سياراتهم السوداء الكئيبة عند أطراف الشوارع، كي لا يتملص من قبضتهم، أمسكوا به، زينوا يده بأساور الظلم، غطوا عينيه، كي يغرق في أعماق ظلامهم وظلمهم، حشروه بالمقعد الخلفي، بساتر حديدي يفصله عن المقاعد الأمامية للساهرين على أمن البلاد من جماعات شعار “كل من تسول له نفسه” وقذفوا به جنوباً، خارج المكان، خارج وطنه… أراهم يحدثون أنفسهم ساخرين: “عتوي وقويناه”… العتوي هو ذكر القطط، بلهجة أهل الديرة، هي التي احتضنته عقوداً منذ ولادته، ثم لفظته بحكم “هم” قطاً مزعجاً… بقرار “هم”، بشخطة قلم…!
هل رأيتم كيف يمكن ترحيل البشر هنا، بدولة المركز الإنساني العالمي، من خانة المواطنة إلى خانة اللامواطنة، ومن صنف البشرية إلى صنف القطط السائبة؟… كل ذلك يتم بشخطة قلم… التي فعلت العجب بمواطن حر، كان صحافياً وكاتباً وناشطاً سياسياً، اسمه سعد العجمي… أصبح عندهم في سخريتهم المرعبة قطاً “غير مرغوب فيه”… من أين يأتي لنا يقين الأمن والثقة بالمستقبل، في زمنهم المرعب، إن كنا، مرشحين أن نكون قططاً سائبة في سككهم الضيقة… متى قرروا “هم” بشخطة قلم؟!