ينظرون إلى الفقراء فيقولون : لو أحبهم الله لأحسن إليهم في الدنيا ، ولو لم يحبنا لما أحسن إلينا فيها ، فلما لم يحسن إليهم في الدنيا وأحسن إلينا فيها فيكون محباً لنا ولا يكون محباً لهم ، فيكون في الآخرة كذلك !
ولا ريب في أن كل ذلك خيالات فاسدة ، فإن من ظن أن النعم الدنيوية دليل الحب والإكرام فقد اغتر بالله ، لأن نعيم الدنيا ولذاتها مهلكات من الله ، وأن الله يحمي أحباءه في الدنيا كما يحمي الوالد الشفيق ولده المريض من لذائذ الأطعمة ، ومثل معاملة الله – سبحانه – مع المؤمن الخالص والكافر الفاسق ، حيث يزوي الدنيا عن الأول ويصب نعمها ولذاتها على الثاني ، مثل من كان له ولدان صغيران يحب أحدهما ويبغض الآخر ، فيمنع الأول من اللعب ويلزمه المنزل والمكتب ليعلمه الأدب ويمنعه من لذائذ الأطعمة والفواكهة التي تضره ويسقيه الأدوية البشعة التي تنفعه ، ويهمل الثاني ليعيش كيف يريد ويلعب ويأكل كا ما يشتهي ، فلو ظن هذا الأبن المهمل أنه محبوب كريم عند والده لتمكنه من شهواته ولذاته .
وقد كان الخائفون من ذوي البصائر إذا أقبلت عليهم الدنيا حزنوا وقالوا : “ذنب عجلت عقوبته” وإذا أقبل عليهم الفقر قالوا : “مرحباً بشعائر الصالحين” ! وأما المغرورون فعلى خلاف ذلك ، لظنهم أن إقبال الدنيا عليهم كرامة من الله وأن أدبارهم عنهم هوان لهم ، كما أخبر الله – تعالى – عنه بقوله : “فأما الإنسان إذا ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ، وأما إذا ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن”
سبب الغرور هو الجهل بالله وصفاته ، أنظر إلى قارون وفرعون وغيرهما من الملوك والجبابرة ، كيف أحسن الله إليهم ثم دمرهم تدميراً .
المغترون طوائف عدة – أخطرهم من إشتغل بالشطح والطامات ، وتلفيق كلمات خارجة عن القانون والشرع والعقل ، وربما كلف نفسه بالفصاحة والبلاغة ، وتصنع التشبيهات والمقدمات ، وشغف بالنكت والإستهزاء ، وتسجيع الألفاظ وتلفيقها ، طلباً للأعوان والأنصار ، وشوقاً إلى تكثر البكاء والرقة والتواجد والرغبات في مجلسه ، والتذاذاً بتحريك الرؤوس على كلامه والبكاء عليه ، وفرحاً بكثرة الأصحاب والمستفيدين به ، ظناً منه أنه أوقع في النفوس وأشد تأثيراً في رقة العوام وتواجدهم ولا ريب في أن هؤلاء شر الناس ، بل شياطين الأنس .
الله المستعـان ،،،