أراقب ما جرى وما يجري في العالم، من قتل، وسفك دماء، فيدفعني التفكير إلى أنه يبدو أن ما يصنع المجتمعات والحضارات هي الكراهية. حجم الكراهية وقوتها وقدرتها على تحريك الأشياء هي أقوى بكثير من أي مشاعر أخرى.
وبقدر ما نجد الناس وهم يكررون أحاديثهم المرسلة عن دينهم وعاداتهم وقيمهم وتقاليدهم التي تجمع ولا تفرق، نجدهم حين الملمات، واشتعال الأزمات ينقلبون وحوشاً كاسرة، لا رحمة فيها ولا في أنيابها، أما إذا لم يكن لهم أنياب مغموسة بالدم، فهم يفرحون بدم الأعداء، ويحرِّضون على سفكه، ويسعون إلى سيلانه على الأرض، يفرحون بالموت، والتمثيل بأجساد الأعداء.
دعاة التسامح لا يخلدهم التاريخ إلا فيما ندر، ومع حضور عدد منهم في التاريخ الحديث على شاكلة غاندي أو مارتن لوثر كنغ أو نيلسون مانديلا، إلا أن ذكرهم بين البشر يأتي من باب تطهير الذات من إثم الكراهية، لا في سبيل تحقيق التسامح وقبول الآخر.
فلننظر حولنا كيف تدار المعارك، والحروب، والتي يحركها ساسة لا دين لهم، دينهم المصلحة والهيمنة والنفوذ، وبدون مقدمات، ولا سابق إنذار يبدأ الناس في الاصطفاف، مذهبياً، وإثنياً، وعرقياً، وعنصرياً، وحتى لغوياً، ويخرج خزين الكراهية الذي يستند إلى التاريخ القديم، وفجأة ينسى الناس حتى تجاربهم المشرقة والطيبة مع “الآخر”، ويتحول هذا الآخر إلى عدو لابد من القضاء عليه، نكرهه حتى يوم الدين، وتصبح السياسة عملية صراع بين كاره وكاره، وينزوي المنطق الصراعي الطبيعي، إلى سلسلة من الصراعات الغبية الوهمية التي يستعاض عنها بدلاً من المنطق بالغباء المطلق.
يقتل الناس أنفسهم بالكراهية، بكراهية الجار والصديق، وتتحول الحياة اليومية إلى حلبة كراهية لا نهائية، ويصبح حزب الكراهية هو المتسيّد، ويصبح الكارهون هم القادة، وينزوي أصحاب الفكر المتوازن.
وربما لذلك يجتمع اليوم نفر منا على المستوى العربي، بدعم من الأمم المتحدة، للبحث في كيفية التصدي لخطاب الكراهية، الذي صار مدخلاً لكل الشرور، ولا حول ولا قوة إلا بالله.