إحدى عاداتي الغريبة التي لم تنقطع؛ مراقبة وجوه التعساء، وتخيّل حيواتهم، وأسباب بؤسهم… أمس، وللمرة المليون، أمعنت كثيراً في ملامح رجلٍ، في منتصف عمره، يبيع المناديل عند إشارة المرور. لم يتخلف يوماً عن موعده، ولم تتخلف تجاعيد بؤسه، يوماً، عن إظهار مقدار التعاسة والتعب والحزن على وجهه… سألت صديقي الجالس إلى جواري: هل من الممكن أن تغطي المناديل نفقاته وقوت يومه، وأسرته، إن كانت له أسرة؟ وهل المبلغ يستحق تحمُّل الصقيع والشمس الحارقة؟ فصعقني: لا أظن ذلك، قد يكون من المباحث! فرددت عليه وأنا أحاول استعادة فكي الذي سقط إلى أسفل: السجن المؤبد أرحم له من مثل هذه الوظيفة. لا تزده بؤساً، أرجوك.
– حتى الطفل، وهو طفل، يستفزك، ويثير حنقك، إن تمادى بالتكسير والبطش والعبث بكل ما ومن حوله، تحت حماية أمه وأبيه، فما بالك إن كان وزيراً فاسداً، أو لصاً يحمل لقب تاجر، أو إعلامياً قميئاً يكتب بالحبر الأصفر، ويشتم، تحت الحماية، ويتهم غيره بالتكسب والاسترزاق.
– قال لي: ارتفع الفساد، في هذه المرحلة، حتى طاول الأبراج، ووصلت أدخنته إلى السماء السابعة. فقلت: الفساد وحده يهون. المصيبة هي اعتداد الفاسدين بفسادهم، وتقبّل الناس لهم، وارتفاع نسبة “الخسة” وأعداد الأخسّاء، الذين شكلوا جيشاً إعلامياً عرمرماً مدججاً بأرذل الأسلحة وأكثرها وضاعة، ونجحوا في إقناع المسؤولين الفاسدين بأنهم يستطيعون حمايتهم، فصدقوهم واختبأوا خلفهم. وبتنا، إن أردنا ضرب المسؤولين الفاسدين، نضيع وقتنا في محاربة جيشه، أو “درعه”، كي نخترقه، ونتمكن من الوصول إلى المسؤول الفاسد المختبئ خلفه.