هل من المعقول أن يرفض مواطن أو مواطنة من الشرفاء الطيبين مساعدة العاطلين عن العمل من أبناء البلاد ودعمهم وتأهيلهم والبحث عن وظائف مناسبة لهم؟ وهل من اللائق أن تنتفخ أوداج إعلامي أو خطيب أو كاتب أو كائن من يكون ويغضب، حينما تتولى جهة حكومة أو أهلية تنفيذ مبادرة لتأهيل وتوظيف العاطلين عن العمل؟ وكأنه يريد القول: «لا توظّفوا العاطلين البحرينيين»!
وهل وصل النفس الطائفي الكريه لدى البعض لأن يشكّك في أية مبادرة – مهما كان حجمها – تهدف إلى قيام شراكات بين الهيئات أو المحافظات أو المؤسسات أو حتى الجمعيات مع القطاع الخاص على اختلاف منشآته وأنشطته لدعم اتجاه وزارة العمل في تحمل جزء من هذا الملف الثقيل؟
ثم ما المانع من أن تتقدّم هذه الجهة أو تلك لبحث ودراسة وتنفيذ مبادرة تنطلق من دعوة العاطلين من الجنسين، سواءً من خريجي الجامعات أو من المتسرّبين من التعليم، وتتولى تدريبهم وتأهيلهم ورفع مهاراتهم وبعد ذلك البحث عن وظائف لهم؟ أياً كان الموقع الجغرافي لتلك الجهة، في الوطن الصغير مساحةً، الكبير بمبادرات لا يستوعبها ذوو العقول الطائفية؟
لقد جاءت مبادرتان مبشّرتان من محافظتي الشمالية والعاصمة، وأخرى نفّذتها بعض الجهات الأهلية بالتعاون مع وزارة العمل سعياً من تلك الجهات لترجمة مسئوليتها الوطنية تجاه الباحثين عن عمل من أبناء البلاد في مختلف مناطق البحرين، وللأسف تجد نفسك أمام فعل غريب: فبدلاً من تشجيع ودعم هذه المبادرات، ترى أمامك بعضاً صغيراً يلوح باللون الطائفي، ويتحدث بالحروف الطائفية، ويكتب بالغريزة الطائفية، ليعتبر تلك المبادرات إنما هي في «موضع الشك»، وأن ثمة عقلية «طائفية» هي الأخرى كما يرى، تدير الموضوع!
وفي الحقيقة، لا يمكن وصف ذلك الفعل إلا بأنه من أفعال بكتيريا الطائفية التي تريد أن تنهش في جسد الوطن، مدّعيةً بذلك إنما هي تهدف إلى المصلحة العامة وتبيان الولاء والصدق في تلمس «الخطايا الكبيرة» وفضحها. وفي نهاية المطاف، لا تعدو تلك الأفعال حيز كونها طائفيةً مريضةً بامتياز، حتى لو صفّق لها المصفّقون ورحّب بها المرحّبون.
إن قضية البطالة في البلد، يجب أن تكون مسئولية كل فرد ومسئول وجهة، حكومية كانت أم أهلية، لتشارك في حملها بأمانة دون نظرٍ إلى دين أو طائفة أو تيار أو طبقة، فمشكلة العاطلين لها تأثيرها الكبير على استقرار المجتمع، وهو تأثيرٌ لا يمكن علاجه بالنفس الطائفي المريض. ولنعد إلى الأرقام قليلاً، ولنقرأ هذا الاقتباس: «كشف تقرير دافوس الصادر مؤخراً في أكتوبر/ تشرين الأول 2014 عن معدلات البطالة في البحرين، حيث ذكر التقرير أن نسبة إجمالي البطالة هي 7.4 في المئة، وأن الشباب يمثلون نسبة 27.5 في المئة من إجمالي البطالة».
ونقرأ اقتباساً آخر: «كشفت دراسة حديثة عن التوظيف والبطالة في دول مجلس التعاون الخليجي أعدتها مؤسسة الخليج للاستثمار، أن نسبة البطالة في دولة قطر تعد الأقل خليجيّاً، وأن معدلات البطالة في قطر بلغت قرابة 3 في المئة، متفوّقة على الكويت التي بلغ معدل البطالة فيها نسبة 6 في المئة، بينما تجاوزت نسبة البطالة في المملكة العربية السعودية نسبة 10.5 في المئة و14 في المئة في الإمارات و8 في المئة في عمان والبحرين».
ولنقرأ ثالث اقتباس: «ذكرت وزارة العمل في البحرين في يونيو/ حزيران 2014 أن معدل البطالة الذي صرحت به الحكومة هو 4.1 في المئة». ولو نظرنا إلى الدراسات، المحلية أو الخليجية التي تناقش ظاهرة «البطالة»، سيكون من السهل أن نجد في توصياتها الأولى: التأكيد على صياغة سياسات وطنية منجزة وفاعلة توفّر فرص العمل للباحثين، ذلك لأن التوقعات تذهب في اتجاه التزايد ما لم يتم توفير الأعداد الكافية من الوظائف لاستيعاب العمالة الوطنية، مع أجور مقبولة تكفل العيش الكريم.
حتى بالنسبة لفئة «العازفين عن العمل من العاطلين»، فهؤلاء فئةٌ موجودةٌ لا يمكن إنكارها، لكنها لا تتقدم لتصبح هي «السبب»، فيما يوجد المئات من العاطلين ذوي الاستعداد للتدريب والتأهيل وشغل الوظائف التي تناسب مؤهلاتهم العلمية وقدراتهم وخبراتهم، وإن تلك الفئة تتطلب هي الأخرى اهتماماً حكومياً وأهلياً لتغيير نمطها السلبي في التفكير، ثم من لا يريد العمل، فهذا شأنه.
خلاصة القول، إن قضية البطالة هي قضية «همّ وطني»، ومع الاتفاق على أن الحكومة هي المسئول الأول، إلا أن الشراكة المجتمعية والمسئولية الوطنية تلزم دعم كل المبادرات الطيبة الرامية إلى توظيف أبناء البلد، وندرك أن الغالبية العظمى من الإعلاميين والباحثين والمهتمين هم مع دعم تلك المبادرات، ولن تؤثر خزعبلات البعض الطائفية في الموضوع، إلا أن ذلك يحتم أكثر من أي وقت مضى، أن يكون الإعلام الوطني داعماً رئيسياً بل مشاركاً محورياً، لبلوغ نتائج متقدمة في الحد من مشكلة البطالة.
بضمير، انظروا إلى أوضاع العاطلين والمفصولين وذويهم المعيشية، ودعوا «وضعكم الطائفي» حيث يجب أن يكون، لكنه بالتأكيد… خارج الوطنية الصادقة.