في خمسينات القرن الماضي زار الكويت مندوب ياباني يتسم بخجل وأدب شديدين، ممثلا لشركة إلكترونيات يابانية متواضعة، ساعيا لإيجاد وكيل محلي لمنتجات الشركة. لم يرغب أي من تجار الأجهزة الإلكترونية حينها، ممن زارهم، في الحصول على الوكالة بسبب سمعة المنتجات اليابانية السيئة، خاصة الأجهزة الإلكترونية، كالراديوهات والمسجلات والبرادات، وذلك مقارنة بالمنتجات الأميركية والإنكليزية! وحده المرحوم عيسى حسين اليوسفي قَبل بالمغامرة في الصناعة اليابانية، وحصل على وكالة «ناشيونال ـــ باناسونيك»، جوهرة أعماله التجارية، وليصبح اليوسفي أول وكيل في الكويت لمنتج ياباني.
سوء سمعة المنتجات اليابانية في خمسينات وستينات القرن الماضي كانت حقيقة، وكان أداؤها مصدر سخرية البعض، بسبب ما كانت تمتاز به من رداءة في الأداء والتقليد السيئ للمنتجات الأوروبية والأميركية المماثلة.
ولكن نقطة التحول في تاريخ الصناعة اليابانية للافضل، بدأت مع وصول المهندس الأميركي وليم ادواردز ديمنغ Dr W. Edwards Deming إلى اليابان، وهو يعتبر فيلسوفا من طراز خاص. ولد ديمنغ عام 1900، ودرس الهندسة، واصبح تاليا متخصصا في رياضيات الفيزياء والاحصاء، وكان مؤلفا ومحاضرا شهيرا. ولا تزال نظرياته متبعة في الإدارة الأميركية حتى اليوم. وبلغت شهرته أوجها في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، بعد لقائه بكبار رجال الصناعة فيها، وإقناعهم بتطبيق نظرياته في الإنتاج والجودة والخدمة، وكانت نظرياته ومحاضراته الرياضية نقطة تحول وإلهام لما عرف تاليا بالمعجزة اليابانية بعد الحرب، وكان لها الفضل في رفع اليابان لمصاف كبرى الدول الصناعية، ولتصبح القوة الاقتصادية الثانية لسنوات طويلة، قبل ان تبعدها الصين للمركز الثالث، وتم كل ذلك بفضل دراسات وأفكار ديمنغ، التي تركزت على مجموعة مبادئ، منها أن التصميم الجيد يحسن من مستوى الخدمة تاليا، وغير ذلك من أفكار وآراء. كما كان لجهوده الدور الأكبر في ما اكتسبته اليابان من سمعة اقتصادية وتميز صناعي عالي الجودة. ويقال ان دوره كفرد غير ياباني كان الأكبر في تاريخ الصناعة اليابانية، وبالتالي لم يكن غريبا قيام اليابان بتخصيص جائزة في عام 1951 تحمل اسمه تخليدا لذكراه، وبالتالي سبقت وطنه في تكريمه، حيث كرم في أميركا بعدها بـ 36 عاما، عندما منحه الرئيس ريغان عام 1987 وساما رفيعا، كما منحته «الأكاديمية الوطنية للعلوم»، بعدها بعام، جائزة التميز العلمي.
الخلاصة أن جهود ديمنغ في تطوير وتحسين الصناعة اليابانية، وجعل منتجاتها الأفضل عالميا، ساعدت في رواج منتجاتها، وبالتالي كان له فضل على المرحوم اليوسفي، وغيره من وكلاء المنتجات اليابانية تاليا، وإن بطريقة غير مباشرة.