قيل في المثل: «قبل صعود السلَّم، تأكَّد من الجدار الذي يستند عليه».
تلك خلاصة الدرس الذي يجب على دول الخليج الاستفادة منه، بعد عقود طويلة من تجاربها في بناء تحالفات مع أنظمة سياسية عربية، راهنت عليها، لكنها خسرت الرهان، فانقلبت تلك الأنظمة عليها، وعضت الأيدي التي احتضنتها، ولم يعد في وسع دول الخليج إلا أن تقول:
وكم علمتُهُ نَظْمَ القوافي
فلما قال قافيةً هجانــــي
هذا ما حصل لنا مع نظام صدام حسين، وتكرر الأمر ذاته مع المخلوع علي عبدالله صالح، الذي تخوض دول الخليج حالياً حرباً عليه، بعد أن ضمنت له خروجاً آمناً من موجة الثورة اليمنية التي كادت تقضي عليه، وقد وفّرت له المملكة العربية السعودية العلاج اللازم، بعد إصابته في محاولة الاغتيال التي تعرّض لها، إلى أن عاد إلى اليمن ليتحالف مع الحوثيين، المدعومين من الخصم التقليدي لدول الخليج، وهناك تجارب أخرى مرشحة للتكرار إذا استمر هذا النوع من الدعم لأنظمة مشابهة، فمتى ستتخلى دول الخليج عن هذه السياسة الخارجية في بناء تحالفات مع أنظمة لا تمتلك عوامل البقاء، ليبقى ظهر الخليج مكشوفاً؟!
تعددت مبررات الدول الخليجية في دعم هذه الأنظمة، لكن هذه المبررات ما كانت لتوجد لولا بعض نقاط الضعف التي تعاني منها معظم الدول الخليجية، ولعل أبرزها مسألة المشاركة الشعبية الحقيقية، بالإضافة إلى الملاحظات السلبية التي تبديها منظمات حقوق الإنسان العالمية بين الفينة والأخرى، وكانت هذه القضايا تمثّ.ل مصدر إزعاج لها، وربما مدخلاً لابتزازها، كما حصل مؤخرا عندما اعتبر الرئيس الأميركي أوباما أن «الخطر الذي يتهدّد الخليج مصدره سخط الشباب داخل بلادهم»، وبالمثل تقوم إيران باللعب على وتر الأقليات الطائفية في المنطقة، رافعة شعار حماية حقوق تلك الأقليات كما تدعي، ومن المتوقع أن نشهد المزيد من تلك المزايدات من الطرفين، خصوصا بعد الاتفاق الإيراني ـــ الأميركي حول البرنامج النووي ورفع العقوبات الاقتصادية.
ولكي تغلق دول الخليج الباب نهائياً في وجه تلك المزايدات الخارجية، ولكي لا تضطر إلى بناء تحالفات مع أطراف «تقلب ظهر الم.جَن» عند أقرب فرصة، فإنها مطالَبة بالقيام بخطوات تاريخية نحو إعادة ترسيم سياساتها الداخلية، باتجاه منح شعوبها مساحات واسعة من الحريات السياسية، ومعالجة ملفات حقوق الإنسان، والأجواء حالياً مناسبة، خصوصا أن «عاصفة الحزم» قد رسمت صورة جديدة لدول الخليج، توحي بأنها قادرة على قيادة سياستها الخارجية باستقلالية وحزم، فمن المناسب أن تكتمل هذه الصورة برسم سياسات داخلية تتناسب مع تلك الصورة الخارجية، وتعززها وتمنحها قدرا من الاستقلالية، ولا تجعلها مادة للتوافقات الإقليمية والدولية.