بعد ثلاثة عقود يعود التجنيد الإلزامي إلى الواجهة تحت عنوان الخدمة الوطنية العسكرية، حيث أعلن القانون الجديد أنه تدارك السلبيات السابقة، وجاء في إطار فلسفة تساهم في الانضباط ومحاربة الظواهر السلبية، فهل يحقق هذا القانون الأهداف المثالية التي حددها في بناء جيل جديد مهمته الأساسية الدفاع عن الوطن؟ تجربة التجنيد الإلزامي من 1977 حتى 1990 كانت من أبرز المشاريع الفاشلة في تاريخ الكويت، وبالتأكيد لن يرضى أي مسؤول أو مجند أو ضابط احتياط أن يتكرر هذا الفشل بعد ثلاثة عقود! وللأمانة التاريخية لا أجد آفاقاً واعدة للقانون الجديد على الرغم من سمو الفكرة ونبل مقاصدها، ومن خلال قراءة عامة لمواد التشريع المقر أخيراً يمكن القول إنه يضاف إلى قائمة “الكم التشريعي” الذي يحرص مجلس الأمة الحالي على تسجيل نقاطه القياسية، ولو على حساب الجودة والمضمون في إجراء متسرع جداً.
تهذيب قانون التجنيد الإلزامي الفاشل وتجاوز سلبياته لا يكونان في تقليص مدة الخدمة ولا يمكن تطهير الشباب المجند من الظواهر السلبية المجتمعية، التي تحولت إلى ثقافة عامة يعيش تفاصيلها كل مواطن يومياً وعلى مدار الساعة، في مدة زمنية لا تتجاوز سنة انتقالية، فالتجنيد الإلزامي السابق كان من أهم مصادر الظواهر السلبية القائمة على اختلاق القصص الكاذبة وإقحام الواسطة، إما للتهرب من الخدمة أو الغياب غير المبرر أو الإعفاء من الحراسات والنوبات الليلية، وفترة الدورات التنشيطية كانت أحلى مناسبة لأخذ إجازة دورية براتب كامل، حيث لم تتجاوز نسبة الملتزمين بها 5% فقط!
بالإضافة إلى ذلك فمن الناحية اللوجستية قد يكون من الاستحالة استقبال الآلاف من المتطوعين سنوياً من خريجي الثانوية، حيث إن الأعداد في زيادة كبيرة وسريعة، فالعام الدراسي الحالي سوف يشهد تخرج نحو 40 ألف طالب حتى لو كان نصفهم من البنات يظل العدد فوق استيعاب المؤسسة العسكرية، كما أن سياسة التأجيل سوف تكون الخيار الأسهل، ومعه ترتفع نسبة الجامعيين، حيث يلتحق أكثر من 60% من خريجي الثانوية بالجامعات، وهذا العدد سوف يربك القواعد العسكرية التي تقضي بأن يكون “ضابط لكل مئة فرد عسكري في أحسن الحالات”، وفي الحالة الكويتية سوف تنعكس المعادلة لتكون “جندي واحد مقابل مئة ضابط”.
أما استراتيجيتنا الدفاعية منذ التحرير فهي قائمة على الاتفاقيات الأمنية مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بكلفة مليارات الدولارات، ولم يتم أي ذكر في القانون الجديد أو مناقشاته لإعادة رسم هذه الاستراتيجية وإعطائها الطابع الوطني، ولو بالتدرج المبني على أسس واضحة وجدول زمني محدد سلفاً.
في كل الأحوال إذا كانت الخدمة الوطنية العسكرية مطلباً أساسياً، وهو كذلك، فثمة بدائل كان الحري دراستها، ومن أبسطها التوسع في خدمة التطوع، وفتح المجال للشباب الكويتي من حملة الثانوية ودون ذلك للالتحاق بالجيش، ثم التساهل معهم في التسريح أو الاستقالة بعد مضي خمس سنوات، وعدم منعهم من استكمال دراستهم أو إيجاد فرص عمل مدنية، وبذلك يكون الوعاء العسكري ممتلئاً دائماً والخبرة الميدانية للآلاف من هؤلاء المتطوعين تجعل منهم نواة جيش احتياط كامل، ورغم الملاحظات الكثيرة على القانون الجديد ودخوله إلى حيز التنفيذ نتمنى أن تؤخذ الأخطاء العملية أولاً بأول، ويتم تداركها فوراً؛ حتى لا نكرر ذلك الفشل الذريع مرة أخرى!