“كله صابون” عند هذه السلطة، بحث، رواية، مقالة، تغريدة، ضحكة، فرحة… كله صابون.
ما شأن وزارة الداخلية أو وزارة الإعلام إذا شركة ما أو مؤسسة أو أفراد “احترموا حياتهم” أو لم يحترمونها؟
كله صابون عند شيوخنا، ولا فرق بين مباحث الداخلية التي لاحقت المغردين والمعارضين، لأنهم خالفوا القانون، وعنوانه في قاموس كويت الاكتئاب هو “قانون الصابون”، أي قانون الزلق، وكل يوم ولك رأي وتتزحلق على أرض اللايقين كمواطن من مكان لآخر، وكريشة في مهب ريح حسب ما يقرر ويتغير قرار بخصاء المشيخة، لا فرق بين مباحث الداخلية – كما قلت – وبين رجال وزارة الإعلام، فهم أيضاً أفراد مباحث، بمعنى يبحثون عن النوايا بكهنة رقابتها وأحبارها من المثقفين الواعين الضالعين في علوم التاريخ والأدب، حين سحبوا من جيوبهم مقصات وأخرجوا “كباريت” حارقة باسم “الإساءة للديمقراطية، والإساءة للصحابة ومنافاة الآداب… إلخ إلخ إلخ إلخ من غير نهاية في موسوعة “اخرسوا”، حين صادروا ومنعوا وحرقوا كتباً وروايات، والوزارتان تتبعان شيخين، وهناك طبعاً شيوخ غيرهما – الله يبارك فيهم – في بقية الوزارات يديرون الدولة وحدهم وبعون مستشارين مثقفين من ماركة إنتاج مصانع “حاضر طال عمرك”، فهذه “ديرة شيوخ” وماما وبابا علمونا أنهم أبخص بكل شيء، من الاقتصاد المايكرو والميكرو والسياسة العليا والسفلى والمرور والصحة والتعليم والثقافة.
ألا ترون كيف هي حالنا اليوم بفضل بخاصتهم وعلمهم الغزير، وكيف أضحت الديرة اليوم وكيف كانت في الستينيات والسبعينيات؟
لماذا يغضب التحالف الوطني والصديق بشار الصايغ أمينه العام من إلغاء حفل “أنا أحترم حياتي”؟ لماذا يا بشار، ومَن تخاطب بذلك العنوان، مطالباً إياهم باحترام الحياة؟
تتصور أنهم يفهمون الحياة على أنها سمو الثقافة وبهجة الحرية وزهو الكرامة… أشك في فهمهم للحياة بهذا المعنى، هم يبصرون الحياة على أنها حلقة روتين مستقرة من الأكل والشرب، وعلى المواطن واجب أن يلعق يديه الاثنتين بعد وجبتهم الدسمة، ويردد كالببغاء “الحمد لله مو ناقصنا شيء…”!
أي عقل وأي فكر وأي حرية وأي حفلة وأي اختناق وأي “بربس” أغضب بشار والتحالف الوطني الآن، ولماذا هذا الاستياء والنقد لوزارة الداخلية؟ آسف أقصد وزارة الإعلام… آسف من جديد أقصد مباحث وزارة الداخلية… آسف مرة ثالثة أقصد مباحث وزارة الإعلام، حين يدعو جهاز الشرطة الأخلاقية – التي أسماها عبداللطيف الدعيج قبل ربع قرن تقريباً “هعا منعم”، وتخيل أنها انتهت بعد انتقاد الصحافة لها في ذلك الزمن البعيد – أي عسس وزارة الإعلام، مشترطاً عزل الشباب عن العائلات بمشروع حفلة “أنا أحترم حياتي”، ثم يأتي مباحث فصيل 2، التابع للداخلية بأوامر عليا ليقبر المشروع مرة واحدة.
أكيد هذا أريح وأسهل عند شيوخنا، فالمثل يقول “الباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح”، و”الداخلية” أغلقت الباب وسدت نفوس الأصدقاء بالتحالف الوطني، لكن لماذا الاستياء… فرجال الداخلية يؤدون واجبهم كما يتطلب القانون (طبعاً قانونهم)، وعاداتنا وتقاليدنا كما يصوغها محافظو الدولة اليوم؟ هل الفكر المحافظ قاصر على بعض النواب السابقين فقط مثل محمد هايف ووليد الطبطبائي، الذين أطاحت السلطة مجلسهم، وحلمت شرائح من الليبراليين ذلك الوقت، ومنهم التحالف الوطني، بأن شمس الحريات الليبرالية قد بزغت، وأن كويت الحريات الخاصة والعامة ستعود إلى ماضيها الجميل؟ “يحليلهم”… لم يحدث شيء… “فأبو طبيع ما يغير طبعه”، فعادت السلطة وقدمت نفسها على أنها المحافظ الجديد والحارس للقيم الأخلاقية، بعد أن غيبت محافظي المعارضة المزعجين!!
فبعد أن كان المحافظون خارج طوع السلطة، طوعت السلطة اليوم نفسها لتقول بدورها إنها من أشد المحافظين. لماذا التباكي اليوم على حفل “أنا أحترم حياتي”، ولم يقل التحالف كلمة نقد واحدة حين عصفت السلطة بالحريات السياسية وزجت بمعارضين في السجون بعد حل مجلس المحافظين المعارضين 2012، ليحل مكانه مجلس المحافظين التابعين في ما بعد؟
الحرية واحدة يا أصدقاء… لا تتجزأ، والقمع واحد أيضاً لا يتجزأ، وإن تعددت صوره وأشكاله… وكله عندهم صابون!