حتى حين نتحسر كمواطنين، نجد من يحرمنا حتى من التحسر وينكل بنا حين نتحسر ويتهمنا و(يشحولنا) ويأخذنا يمنةً ويسرة لأننا تحسرنا! دعنا نتحسر من باب التنفيس يا أخي! فالحسرة المقصودة هنا ليست رفضاً لما قسمه الله لنا، ولكن هي رديف لما نحلم به مثل غيرنا.
حينما نتحسر/ نحلم بأن نحظى بالزيادات والأجور التي يحصل عليها أشقاؤنا في دول مجلس التعاون… نتشحول! وحينما نتحسر/ نحلم بالامتيازات والبدلات الاجتماعية التي يحصل عليها الأشقاء لهم ولأبنائهم… أيضاً (نتشحول)!
نتحسر حين يأتي الخبر كالصاعقة: «علاوة الغلاء قد تتوقف! آه واويلاه..»! ونحلم بأن يكبر الراتب الصغير ويكبر ويكبر ويصبح الجيب به منتفخاً من جهة، وخدودنا منتفخة من جهة أخرى لشدة البهجة والسعادة والسرور!
حينما نتحسر/ نحلم بأن يكون لنا كما لأشقائنا من خدمات إسكانية واجتماعية وتعليمية وتسهيلات… أيضاً (نتشحول)! ثم ماذا بعد؟
هل تعلمون من الذي يحرم المواطن من أن يتحسر/ يحلم؟ هو ذلك الذي يؤمن بمقولة «احمدوا ربكم»، ومن لفّ لفه، فبالنسبة له المقارنة بين المواطن البحريني وأشقائه من المواطنين الخليجيين هي مقارنة غير عادلة، بل علينا وعليه أن نقبل بالمقارنة بين البحريني وبين المواطن في زيمبابوي أو غينيا أو بنغلاديش!
ولا ننكر بالطبع أن هناك الكثير من الجهود لتحسين مستوى معيشة المواطن البحريني، لكنها يا جماعة تأخذ أمداً بعيداً مرتبطاً بالعديد من العراقيل كأسعار النفط ومحدودية الموارد المالية وغيرها، فيما نجد في المقابل ديوان الرقابة المالية والإدارية يضج سنوياً بـ (شحولة) ملايين الدنانير التي يمكن أن تصرف على مشاريع التنمية والتطوير وتحسين المعيشة، بدلاً من أن تأخذ طريقها في مسار عبث العابثين بالمال العام وأهل الفساد.
المرهم أو المخدر من قبيل: «الحكومة لن تقصر. الحكومة تسعى دائماً لتحسين مستوى معيشة المواطنين. الحكومة تدرس الكثير من البرامج. هناك تصورات لدى الحكومة لزيادة الرواتب، والحكومة.. والحكومة والحكومة.. وستبقى الحكومة هي الهدف الذي يجب أن يشفي غليلنا، وهي التي يتوجب عليها أن تسمعنا المزيد والمزيد مما نحب ونرضى». أليست هذه العبارات ذات طابع متكرر مسموع حتى من جانب ممثلي الشعب، النواب، منذ العام 2002 حتى اليوم؟
لنصدق مع بعضنا ولنجري مسحاً وطنياً لمعرفة مدى رضا المواطن البحريني عن خطط وبرامج تحسين معيشته؟ هذا إذا استطاع الكلام دون أن (يتشحول) أيضاً!
ما نحبه ونرضاه هو أن نعيش كما يعيش الأشقاء في دول مجلس التعاون. هناك، تنقل الصحف ووسائل الإعلام وكذلك المواقع الإلكترونية، قرارات الزيادات بستين وسبعين وثمانين وتسعين ومئة في المئة، فتفوح من رؤوسنا «دخاخين» لا مثيل لها. لا في زيادة الخمسة عشر في المئة، ولا في غيرها التي لم تصل إلى مستوى الطموح وهي قليلة عموماً.
من سوء الحظ أن التحوّلات المشابهة حولنا في منطقة الخليج متسارعة بصورة أكبر، وإذا ما تجاوزنا جانب اختلاف الإمكانيات والموارد المالية وما إلى ذلك، فإننا لا نستطيع تجاوز موجة الغلاء التي تطحن أولنا وآخرنا في دوران لا يتوقف! وإذا كنا لا ننظر إلى موضوع زيادة الأجور على أنه مطلب لمواجهة غول الغلاء وارتفاع الأسعار وصعوبة تحقيق الحلم في الحصول على مسكن مناسب، فما الذي سينظر إليه المواطن؟
ومن سوء الحظ، أننا لا ننفك ننظر إلى قرارات الزيادات في الأجور التي تصدر في دول الخليج، ونجد أنفسنا «نلطم» ألماً وحسرة، ويجد البعض منا فرصته السانحة للبكاء الحار، ولكننا في كل الحالات سنبقى متطلعين إلى ما يمكن أن يبعث في قلوبنا السرور. ولابد أن يكون لدينا مخططون استراتيجيون يعرفون جيداً ماذا يعني وضع خطط فعالة لتنمية المستوى المعيشي، ليس بالطبع كتلك التي لا تخرج من حدود (مانشيتات الصحف)، بل كتلك التي ينتفخ لها الجيب و… الخدود.
ممن يأتي التقصير؟ طرحت مراراً أن ممثلي الحكومة وممثلي الشعب كلهم مقصرون، لأنه لا يوجد هناك توافق على ما يبدو للتعامل مع مسألة تحسين الأجور على أنها مسألة مرتبطة بالحياة اليومية ولقمة العيش وليست مرتبطة بالرفاهية. وإذا كانت الصحف تمتلئ بالمقالات والأعمدة والكتابات من الصحافيين والقراء أيضاً، فإن ذلك لا يمكن أن يعطي انطباعاً حول صعوبة الوضع، بل صعوبته وحقيقة شدته تظهر من خلال تغطية التزامات آخر الشهر المالية والتي تجعل رب الأسرة في وضعية الفنان عبدالحسين عبدالرضا في مسلسل «درب الزلق»: «أووول يا حسين يا بن عائول.. أبييييها»… شفتون شلون حسرات البحريني غير شكل؟