«إن المصائب يَجْمعنَ المصابينا» شطر بيت لأحمد شوقي يعبر عما هو ثابت ومستقر بين الناس. فمن المعروف أنه في ظل المصائب والظروف الاستثنائية تتوحد الجبهة الداخلية، ويتناسى الناس خلافاتهم، أو يؤجلونها بعض الوقت، إلى أن تستقر الأمور، لكن الأحداث الأخيرة التي عصفت بعالمنا منذ بداية الربيع العربي وإلى يومنا هذا، والتي ألقت بظلالها علينا في الكويت من خلال محطتها الأخيرة في الحرب على الحوثيين، كشفت عن حالة من الهشاشة المجتمعية، والقابلية المفرطة للانقسام الحاد عند أي أزمة، فما أن يستجد أمر حتى ينقسم الناس إلى «فسطاطين»، ويأخذ كل طرف موقعه، ويرسل كل فسطاط إلى الآخر رسائل الإقصاء والتخوين والتهم المعلبة، وتسجيل النقاط على الخصوم، ويتم ذلك بشكل آلي من دون حاجة إلى التفكير في مجريات الأحداث، أو محتوى الخطاب، وعواقبه على البلاد والعباد!
من خلال تسجيل هذه الملاحظة، فإنني لا أنشد المثالية، ولا أفترض أن يكون الناس على رأي واحد، فهذا لن يحصل – ويجب ألا يحصل – لكن الذي يستحق الملاحظة والتنبيه هو حجم الاحتقان المجتمعي الذي يصاحب عملية الاختلاف، والذي يؤدي إلى ما يشبه «الانشطار الطولي» للمجتمع، يقوم من خلاله كل طرف باستدعاء كل ما في جعبته من مفردات الإقصاء، والذي ينتهي غالباً بتحريض السلطات على الطرف الآخر، والتصفيق لها عند اتخاذ إجراءات ضده.
هذه الهشاشة في البنية الداخلية لم تصنعها الأحداث بقدر ما كشفتها ورفعت الغطاء الساتر عن وجهها الذي ظل بعض أفراد كل طرف يُجمّله بمساحيق المجاملات الباردة، ويدّعي المثالية في نظرته للآخر، ولكن إن كان شطر بيت شوقي «إن المصائب يجمعن المصابينا» لم يعد يصدق علينا، فإن «الشدائد تُظهر معادن الرجال» هو المثل الأصدق على مجتمعنا في هذه الحالة، فالشدائد التي مرت بالمنطقة، والتي كان لنا نصيب منها أظهرت أمراض المجتمع، ونقلتها من القاع لتجعلها في الواجهة، وطافية على السطح.
وإذا كانت «المنح تأتي على ظهر المحن»، فإن انكشاف هشاشة الوضع الداخلي هو المنحة التي ساقتها لنا الأحداث العاصفة بالمنطقة، فمهما كانت الأمراض مستوطنة في جسد المجتمع، فلابد أن تظهر بشكل جليّ حتى يمكن علاجها، ولذلك من الواجب استثمار هذه الأحداث التي كشفتنا من أجل ترميم أوضاعنا الداخلية بصورة سليمة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن تشتد العواصف أكثر في المنطقة، والتي بلا شك ستنعكس على البلد – إن لم يكن جزءا منه – فإن جاءتنا ونحن على هذه الحال «الانشطاري» فستخطَفُنا الطير.. أو تهوي بنا الريح في مكان سحيق.. لا قدر الله!