اللهم لك الحمد والمنة. أخيراً اقتنعت إحدى المؤسسات الدينية، أو قل إحدى أشهر المؤسسات الدينية وأعرقها، الأزهر، بجدوى المناظرة مع المختلفين عنها، ومقارعة الحجة بالحجة، والفكرة بالفكرة، والتفسير بالتفسير، بدلاً من الاكتفاء بالتكفير، واللعن، والطعن في عقيدة المختلف معها، وشيطنته.
والقصة باختصار، هي ظهور رجل مصري اسمه «إسلام بحيري» في برنامج تلفزيوني، يتحدث فيه عن الدين والفقه والحديث والتفسير، بطريقة مختلفة، ومخالفة، لمنظور الأزهر ونهجه.
الرجل شكك، كما قال المختلفون معه، وما أكثرهم، في صحيح البخاري ومسلم، ووصف التابعين والصحابة بصفات أغضبت الأزهر وآخرين. بل، أكثر من ذلك، اتهموه بالتطاول على الله ورسوله، وغير ذلك من اتهامات، قد تُهدر دمه، أو تودي به، إن صحت، خلف قضبان السجن، في أضعف الحالات.
وكانت الأمور تسير في مجراها المعتاد، أقصد أن الأزهريين طعنوا في عقيدته، ثم ضغطوا، ونجحوا في إغلاق برنامجه، ونشروا بياناً قاسياً في حقه، وما شابه، في حين كان هو يطلب مناظرتهم، وكان ردهم عبارة عن «تتفيهه وتسفيهه»، وهو ما أغضب الكثير من المتابعين، لهذه المعركة الفكرية الدينية، وأنا منهم. إلى أن قرر الأزهر أخيراً مناظرته… أخيراً… أخيراً… بعدما جفت حلوق الناس وهي تصرخ: ناظروه، اكشفوه، افضحوا فكره، قزّموه…
وشاهدنا بالأمس المناظرة التي جمعت إسلام بحيري بموفد الأزهر، عبدالله رشدي. وأرى أن الأزهر استهان بخصمه، ولم يوفد أحد كبار علمائه لمناظرته، فشاهدنا كيف أن عبدالله رشدي «لم يأخذ غلوة» على نار إسلام بحيري، وابتلعه الأخير بعظامه ولحمه وجلده.
وقد يرى آخرون خلاف ما أرى، لكن المهم هو اقتناع المؤسسات الدينية بجدوى المناظرات، أخيراً، بدلاً من الاكتفاء باتهام الخصوم، والتهرب من مواجهتهم، وكأن ديننا ضعيف هش، يجب أن نخبئه وراء ظهورنا، كعصابة سرقت مجوهرات، تخشى أن يخونها أحد أفرادها، ويفضح أمرها.