عندما يطول أمد أي حرب يزيد منتقدوها، ويستغل ارتكاب الأخطاء فيها وتململ أنصارها من تأخر النصر السريع، وبالنتيجة تتعقد مخارجها السياسية وطرق احتوائها دبلوماسياً، والحرب في اليمن ليست استثناءً من هذه القاعدة التاريخية، فبعد دخول عاصفة الحزم أسبوعها الثالث لا تزال الأوضاع على الأرض غير محسومة، بل يستمر تمدد الحوثيين وحلفائهم في الجنوب ويدخلون في مواجهات جديدة مع تنظيم “القاعدة” في الجزيرة العربية في الحواضن المؤيدة والمتعاطفة مع هذا التيار الديني التكفيري والمتشدد.
بعيداً عن التعاطف السياسي والشحن الطائفي المؤيد والمعارض، وحتى دواعي ومبررات الحرب يجب الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد العسكرية والاستراتيجية لعاصفة الحزم، ومستقبل العمليات العسكرية وتماسك التحالف الإقليمي خلف المملكة العربية السعودية، فبعد أيام قليلة من هذه الحرب تملصت الباكستان من وعودها وتراجعت تركيا عن نبرتها العالية والمتحمسة للحرب، وبدأت مصر بتغليف تمسكها بدعم دول الخليج بالدعوة إلى الحل السياسي، وتبين أن بعض حكومات التحالف العشري، وخصوصا من خارج المنظومة الخليجية، لم يكن لها أي وجود يذكر في العمليات الميدانية من البداية.
من جانب آخر ومع استمرار الحرب بدأت المظاهرات الاحتجاجية في بعض العواصم العربية والأوروبية، وكذلك في نيويورك وأستراليا لوقف الحرب، وأخذت الصور واللقطات المحزنة للدمار والمعاناة الإنسانية تتصدر بعض وسائل الإعلام العربية والغربية، الأمر الذي قد يزيد من الضغوط السياسية على أجواء الحرب، مع حقيقة أخرى وهي زيادة الانقسام الداخلي الشرس في اليمن نفسه، ومثل هذه الوقائع والتطورات لا شك أنها تزيد من تعقيد الأمور، وتبقى أسوأ السيناريوهات أن تجد دول مجلس التعاون مع مرور الوقت نفسها تقاتل وحيدة في اليمن، أو أن ينقلب عليها أقرب الحلفاء كالولايات المتحدة التي باتت منغمسة في إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، وهذا واضح من الاتفاق النووي الإيراني والدعوة للانفتاح والحوار مع نظام بشار الأسد، ومشاركة قواتها بشكل مباشر في الحرب على “داعش” في العراق.
ويبقى الرقم الصعب في عاصفة الحزم حتى في حالة نجاح العمليات العسكرية في شل الحوثيين ميدانياً وانهيار الجيش اليمني كمؤسسة وطنية، وتهاوي التيارات السياسية اليمنية مثل حزب المؤتمر بقيادة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح والحراك الجنوبي، فهذه الانتصارات قد تمهد الطريق لبروز خطر جديد على الخليج والسعودية تحديداً، وهو استقواء تنظيم “داعش” الذي يتبنى في استراتيجيته القتالية فتح جبهات جديدة، خصوصا مع هزائمه في العراق وتطويقه في سورية وانتقاله الجديد في ليبيا وتونس ونيجيريا.
منظومة مجلس التعاون الخليجي بالتأكيد لها رؤيتها الاستراتيجية والمستقبلية في المنطقة، واليمن يعتبر ركناً أساسياً في هذه الرؤية لاعتبارات سياسية واقتصادية، ومن المهم استعادة هذه الحديقة الخلفية والحزام الأمني الذي يطوق شبه الجزيرة العربية ويربطه بأعالي البحار، ولعل القرار العسكري الذي تبنته الرياض كان خياراً صعباً ويحمل مجازفة كبيرة وفق المعطيات الداخلية في اليمن والخريطة السياسية في المنطقة، لذلك يجب أن تكون البدائل قد أخذت بعين الاعتبار وفقاً لمدى إخلاص الحلفاء، وكذلك الإبقاء على القنوات السياسية والدبلوماسية التي تكفل الخروج من هذه الحرب ليس في أقرب وقت، بل مع أفضل النتائج السياسية للمنطقة ولمصلحة دول مجلس التعاون تحديداً.