عودة الوعي عنوان لكتاب وضعه الكاتب المصري توفيق الحكيم عام 1972، بعد مرور 20 عاما على الانقلاب العسكري، الذي قام به جمال عبدالناصر ورفاقه الضباط عام 1952. تحدث الحكيم في الكتاب عن مشاعره، وكيف عاد الوعي له من وهم «الثورة» والعسكريين، الذين حكموا مصر، ودورهم في الهزائم المتتالية التي لحقت بمصر في الميادين العسكرية والاقتصادية!
تذكرت ذلك العنوان وأنا أقرأ «التوبة المرتدة» للمطرب اللبناني فضل عبدالرحمن شاكر شمندر، المعروف بفضل شاكر، وكيف ترك الفن وأطال لحيته والتحق بمنظمة الصيداوي الفار احمد الأسير، ومشاركته، معنويا من خلال أغانيه الدينية الحماسية، وفعليا، من خلال حمل السلاح، وكيف تورط كما تردد في احداث «عبرا» المؤسفة، التي سقط فيها 18 قتيلا من جنود وطنه، إضافة لأكثر من مئة جريح في قضية عبثية إرهابية غير معروفة الهدف ولا المعنى.
فضل كان مطربا معروفا، وسبق أن عرفنا عليه الصديق ولسون، في بدايته الفنية، ولكن بريق الصحوة المزيفة جذبه تاليا، فالتحق بأكثر الفرق السلفية تطرفا، ثم اعلن مؤخرا، في لقاء تلفزيوني أن الوعي قد عاد له، وأنه يود العودة، حسب قوله، للحياة الطبيعية! حديثه عن الحياة الطبيعية لفت نظري، أي أنه يعترف بأن ما كان يعيشه ويقوم به لم يكن طبيعيا.
الانقلاب الكامل، بين ليلة وضحاها في حياة البعض، من الطرب والفن والرقص إلى إطالة اللحية وقتل جنود ابرياء لا ذنب لهم غير تنفيذهم أوامر قادتهم، تصرف غريب ويدل حتما على خلل نفسي عميق. وما مر به فضل مر به آخرون، فكما أن فضل يتوق للعودة للحياة «الطبيعية»، فلا شك أن غيره تاق لذلك، وهذا ما أصبحنا نراه من تزايد أعداد الذين بدأوا بالفرار من تنظيم داعش، والعودة لحياتهم الطبيعية. مقابل هؤلاء سلك غيرهم الطريق المعاكس، وأصبحوا، بين ليلة وضحاها، من الدراويش بلحاهم وملبسهم، ولكن بعد ان نهلوا من ملذات الحياة ما شاؤوا، وتطرفهم في الغرف منها، خلق لديهم ردة فعل دفعتهم للجانب المعاكس، ومن هؤلاء قادة أحزاب دينية معروفون، وهؤلاء كانوا طبيعيين واختاروا أن يكونوا غير طبيعيين، لسبب او لآخر، بانتقالهم من المجون لدرجة التلف ليصبحوا من رواد وقادة السلف!
كما عرف عن سيد قطب، قبل التحاقه بالإخوان المسلمين، انه كان شخصا متحررا، وله مقال منشور دافع فيه عن رغبة بعض النساء في ارتداء ملابس البحر على السواحل. ولا ننسى الإرهابي البريطاني الجهادي جون، أو محمد اموازي، وكيف ان حياته قبل التحاقه بداعش، كانت متقلبة جدا ومضطربة، وعرف عنه السكر وإدمان المخدرات، قبل ان يقرر تغيير نمط حياته للتطرف المضاد. والأمثلة اكثر من ان تحصى.