ليس خافياً أن خطوة السعودية ودول الخليج العربية في الدفاع عن نفسها وأمنها ومصالحها، المتمثلة في تدخلها العسكري المباشر في اليمن بناء على طلب رئيسه الشرعي، قد غيّرت في بعض قواعد مراكز القوى الدولية والتحالفات الإقليمية التي يمكن أن تتولَّد عنها، بل وفرضت حالة واضحة من إعادة اكتشاف الذات.
فقد نجحت تلك الخطوة الخليجية الشجاعة، بمبادرة من الملك سلمان، في تكوين حلف عربي إسلامي يشارك مباشرة في عملية عاصفة الحزم، ضم كلاً من: «مصر – السودان – المغرب – الأردن – باكستان»، بل وعجل ذلك في تحقيق التفاف عربي وإسلامي أوسع حوله، فباركته الجامعة العربية ومنحته شرعيتها، وأيّدته تركيا ودعمته، فضلاً عن الدعم العام الغربي والأميركي له، لتثبت لنا الوقائع أن منطق الأفعال المدروسة هو الذي يسيّر الأحداث ويؤثر في مجرياتها.
إن أهم ما حققته خطوة «عاصفة الحزم» بكل منطلقاتها هو إعادة ترتيبات وحسابات التحالف الدولي والإقليمي من منطلق تنوعي وتبادلي، تبعاً لمصالح الدول التي تنخرط فيه، بل إنه أعطى بعداً جديداً للوعي، لما هو متاح لدينا من قدرات ذاتية، ولكن تم إغفالها أو التفريط بها لعقود طويلة، ألا وهي حيوية العمق العربي الإسلامي الذي تجسّد عملياً في تحالف «إنقاذ اليمن» والدفاع عن «أمن دول الخليج»، فقد تلاقت كل من دول الخليج الخمس، ومعها الدول العربية المشاركة والممثلة للجامعة العربية (وعلى رأسها مصر)، وفي معيتها باكستان النووية وتركيا صاحبت خامس أكبر جيش في العالم، ليتشكل منها حلف متين يبعث برسائل مهمة للعديد من الأطراف التي تثير القلق في المنطقة، وفي مقدمتها إيران ذات الحلم بالإمبراطورية الفارسية، ولتصاحبه رسالة موازية وهي أنه لئن كان التحالف مع أميركا وغيرها مهم، فإن لعبة المصالح المتناقضة لأميركا وتحالفاتها المتضادة كما هو الشأن في احتضانها لإيران لما يزيد على عشر سنوات وتمكينها بالمنطقة، رغم ما تمثله سياسة إيران من خطر تجسّد في فرض وصايتها على العراق والتحكم بلبنان عبر حزب الشيطان، وإدارتها جميع الأمور في سوريا، ودعمها – كما تردد – للانقلاب الحوثي باليمن وتقديم جميع صور الدعم له.
ولا شك في أن الاتفاق على برنامج إيران النووي وما يوفره لإيران من شرعية لبرنامجها وفرص امتلاك قنبلة ذرية يزيد من الصلف الإيراني بما يفرضه ذلك من مخاطر عديدة، كل ذلك يعطي أهمية معتبرة لحلف العمق العربي الإسلامي الذي يعطي بديلاً حيوياً ويقي من تقلبات المصالح الذي قد نجد أنفسنا بسببه في مواجهة غير محسوبة، خصوصاً في ظل تمادي إيران التوسعي الفارسي في السنوات الأخيرة، وهو ما تجلى بدوره باليمن، فكانت الخطوة الخليجية وتحالفها العربي الإسلامي الرد الحاسم في تحقيق الردع المطلوب وتأمين التوازن المستقبلي، الذي كان مفقوداً قبل هذا العمق.