في سنة ١٩٦٧ وبعد رحيل القوات البريطانية من المنطقة، أعلن الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي أنهم الحامون الجدد لمنطقة الخليج، حيث كان الشاه يشكل الهاجس الرئيسي لأنظمة الخليج وشعوبها، كما تعمق هذا الهاجس مع مطالبة الشاه بالبحرين، وتلميحه مراراً وتكراراً إلى احتلال شبه الجزيرة العربية، وكما يعلم الجميع فإن النظام في الدولة البهلوية الفارسية آنذاك كان علمانياً، كما أنه كان مفوضاً من الولايات المتحدة لحماية مصالحها في المنطقة، مما أدى إلى تفاؤل العرب بعد نجاح الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩، بل إن بعض القوى الوطنية والقومية العربية قدمت يد العون إلى الثورة الإسلامية في إيران، لكن سرعان ما تبخرت أحلام العرب في العيش بسلام مع جارتهم الكبيرة.
الإنسان بطبعه متدخل «حشور»، دائماً يدس أنفه في ما لا يعنيه، وهذا ينطبق على الدول كذلك، وأنا أتفهم أن لكل دولة مصالح، ومن حقها أن تحافظ على مصالحها، غير أن عليها أن تحدد الآفاق التي تريد أن تجول فيها، ولكن ما لا أستطيع أن أتفهمه هو «لعب الكل في الكل»! إيران التي تقاتل بشراسة في سورية، تدعم النظام الذي فتك بشعبه هناك وتبعث مناديبها في جنوب لبنان ليشاركوا النظام مجازره، وتتدخل بشكل غير مبرر في العراق، وتتصيد في الماء العكر في البحرين، حيث كان للشعب البحريني مطالبه المشروعة، إلا أنها تحولت بسبب إيران إلى مساس بالأمن القومي، وأخيراً اليمن ودعم الحوثيين الأيزيديين، وهم أبعد ما يكونون عن المذهب الإثني عشري، وبنفس الوقت تقوم بمفاوضات مارثونية، دارت من خلالها لفات مكوكية حول العالم، في سبيل تغيير موازين القوى في المنطقة مع وجود إيران النووية. إيران، التي فشلت في كل مكان، لا يمكنني تفسير فشلها إلا بسبب واحد، هو عقلية السلاح وفرض القوى المرفوضة من أي إنسان قبل أن تكون شعوباً معينة، وفي الوقت الذي تدعم إيران فيه المليشيات بكل مكان بالسلاح، والتي تشكل تهديداً للسلم في المنطقة، دعمت المملكة العربية السعودية الجيش اللبناني بمليار دولار، وهذا ما يجعلنا نفرق بين نظام يسعى إلى وحدة الشعوب وآخر يسعى إلى تدميرها، فلم أسمع في حياتي بسلاح يوحد أوطاناً، ويخدم السلم الدولي.
والوضع في اليمن كذلك فهناك رئيس شرعي مؤقت، وأقلية متمردة تدعمها إيران بكل ما تستطيع، في سبيل زعزعة الأمن في المنطقة، حتى أتى الحزم مؤخراً، وما هو إلا بداية لوقف النفوذ الإيراني، على أمل أن تعيد إيران التفكير في سياساتها كاملة الداخلية قبل الخارجية.
كل ما تسعى إليه دول الخليج هو تحقيق الرفاهية لشعوبها وتنمية بلدانها، ولا مصلحة لها في حروب أو صراعات، بل إنها تقدم تنازلات كبيرة، فأنا لا أتذكر من هو آخر مسؤول عربي تحدث عن الجزر الإماراتية الثلاث، ولكن الجارة الكبيرة إيران بمختلف أنظمتها، علمانية كانت أو إسلامية، يبدو أنها، على الرغم من إمكانياتها الاقتصادية وما تستطيع أن تقوم به لشعبها من خلال هذه الإمكانيات الكبيرة، مازالت تحلم بالإمبرطورية الإيرانية، كما أعلن على يونسي مستشار الرئيس روحاني، ويبقى الـ٨٠ مليون إيراني، ضحية هذا التوجه المدمر، ويبقى السؤال الأبدي كما يبدو لي: متى سيفكر الإيرانيون في العيش بسلام؟!