في المنتصف بين الضحك والبكاء توقفت. أعدت تشغيل المقطع؛ شايب طاعن في السن، خرجَت، لفرط شيخوخته، بعض أعضاء جسده وحواسه عن الخدمة، ومنها السمع… يعقد قرانه على شقيقة أحد الحضور! المأذون يتلو كلمات، يفترض أن يرددها الشايب “العريس”: “قبلت نكاحَ أختك (صمود) على سنة الله ورسوله، والمهر المتفق عليه…”، فيرد الشايب: “حمود”، فيصحح له المأذون: “صمود”، فيستفسر الشايب: “هاه؟”، فيتدخل أحد الحضور بصوت عالٍ لتوضيح اسمها: “صمود صمود”.
قبل ذلك بفترة، شاهدنا صورة تجمع اثنين من المعمرين، تزوج كل منهما من ابنة الآخر. وقبل ذلك أيضاً سمعنا صرخة جمعية حقوق الإنسان اليمنية، عن وفاة طفلة تبلغ الثامنة من عمرها، بعد معاناة وعذاب جراء النزيف الداخلي، بعد زواجها بثلاثة أيام. وقبلها، توفيت طفلة تبلغ الثالثة عشرة من عمرها، بذات الطريقة ولذات السبب. ولا تكاد تنقطع الأخبار المشابهة عن زواج “قاصرات” اليمن، والعراق أيضاً.
وكي لا ندفن رؤوسنا في الرمال، لابد من تبيان الحقيقة المؤلمة، التي توضح أن زواج القاصرات لا يقتصر على اليمن والعراق، بل يمتد ليشملنا في الخليج، لنشاهد ونسمع عن زواج كبار السن الخليجيين من مراهقات عربيات.
وإن كنا نحاول أن نفهم (لم أقل نتفهم) سبب قبول ولي أمر الطفلة العربية، تزويجَ بنته أو أخته لشايب خليجي، تحت حجة “تعديل حال الأسرة، وضمان الحياة الكريمة للعروس الطفلة”، وهو تصرف تخجل منه الخسة ذاتها. ومع ذا قد نفهم أسبابه. لكن ماذا عن “تبادل البنات”؟ هنا نحن نتجاوز حدود الأنانية والسفالة. والأخطر، أننا نفتح الباب على مصراعيه أمام وساوس شيطان الإغواء، وما يتبعه من جرائم القتل، بحجة غسل العار، وما إلى ذلك.
وبعيداً عن الحرب العسكرية الدائرة الآن على أرض اليمن، أظن أن علينا أن نشن حرباً، بعد انتهاء هذه الحرب، على الجهل الذي يتربع على كرسيه في تلك البقعة المنكوبة من الأرض، كي نغلق فوهات البراكين النشيطة من جنوب الخليج، ونستبدلها بحدائق تنفث روائحها الزكية. صدقوني، الحرب على عصابة الحوثي، وهي مستحقة، تغلق فوهة بركان واحد فقط، لكن الحرب على الجهل، وهي الأصعب والأنقى، تطمر كل البراكين، وتحولها إلى منتجعات.